محاربة الفقر

آراء 2021/06/19
...

  زهير كاظم عبود 
لم يكن الاعلان العالمي لحقوق الإنسان أول من نادى بضرورة انبثاق عالم يتحرر فيه الإنسان من الفاقة، وبالرغم من ان نص الفقرة «أ» من المادة 25 تقول: «لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته، ويتضمن ذلك التغذية والملبس والمسكن والعناية الطبية وكذلك الخدمات الاجتماعية اللازمة، وله الحق في تأمين معيشته في حالات البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة وغير ذلك من فقدان وسائل العيش نتيجة لظروف خارجة عن إرادته». كما لم تكن وثيقة العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، اللاحق لهذا الاعلان أن تدرك أن السبيل الوحيد لتحقيق المثل الأعلى وفقا لحقوق الإنسان أن يكون البشر أحرارا ومتحررين من الخوف والفاقة. 
فقد أشار الإسلام قبل ذلك بزمن طويل الى حالة الفقر والأملاق التي كان يعاني منها بعض الناس في مجتمع الجزيرة، ويلجؤون الى ارتكاب الجريمة بقتل أولادهم خشية العيش تحت وطأة الأملاق، وتلك المعاناة الإنسانية وجدت المعالجة المتناسبة مع كرامة 
البشر. 
وفي سورة النساء/36 يوصي الله سبحانه وتعالى بالوالدين احسانا وبذوي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار
 الجنب. 
وإذا كانت الفاقة أشد من الفقر فهي تعني الفقر والحاجة معا، وتميزت المجتمعات الفقيرة بوجود ملايين البشر تحت وطأة الجوع والفقر الشديد لعدم وجود موارد يمكن أن تستعين بها على سد حاجتها او لتجاوز حالة الفقر التي تعيشها. 
قال رسول الله «ص»: عجبت لأمرئ شبعان وجاره جائع الى جنبه وهو يعلم به. 
واشتهرت مقولة الامام علي بن أبي طالب «ع»: «لو كان الفقر رجلا لقتلته». 
بعض الحكومات تتذرع بعدم توفر الموارد المالية التي تستطيع معها مواجهة حالة الفقر، وإنقاذ البشر من هذه الأوضاع، حيث ان هذه المجتمعات تنخفض فيها الدخول بشكل متدنٍ لا يمكن معه مواجهة او معالجة الفقر، بسبب عدم المساواة وعدم وجود تكافؤ وانعدام الرعاية الاجتماعية للفقراء، وبسبب وجود تفاوت طبقي كبير وتورم اجتماعي يجعل من طبقة الفقراء منعزلة ومهمشة وغير مسيطر 
عليها. 
هيئة الأمم المتحدة التفتت الى هذا الجانب ووضعت البرامج التي تسعى لمحاربة الفقر بين البشر بالوسائل والطرق التي تم اعتمادها، وكانت قد حددت العام 2015 كموعد لإتمام إنجاز هذه الأهداف وفي طليعتها القضاء على الفقر 
المدقع.
ومع أن هذا التاريخ لم يقترن باعتماد وسائل عملية وملموسة للقضاء على الفقر، وما يلفت الانتباه ازدياد عدد الفقراء الذين يعيشون تحت خط الفقر في العالم، مع أن تقارير الأمم المتحدة تشير الى انخفاض ملحوظ في أعداد الفقراء عالميا في السنوات من 2005 - 2008 في الهند والصين، وذلك بفضل معدلات النمو العالية التي حققاها خلال السنوات الماضية.
 الا أن واقع الحال في أغلب الدول الفقيرة ونتيجة لتفشي ظاهرة الأرهاب والحروب الأقليمية، واتساع الفجوة بين الفقراء والأغنياء ونتيجة للتخلف والاضطرابات والكوارث الطبيعية بدأت ملامح ازدياد الفقراء في عالمنا بشكل يوحي بعدم امكانية السيطرة على مكافحة الفقر خلال الفترة التي اعتمدتها المنظمة
 الدولية. 
وإن التعهد الذي قطعته المنظمة الدولية كان بعيدا عن معالجة الواقع، حيث إن هذا العهد لم يتعدى التمنيات التي وضعتها بعض الحكومات الأعضاء للقضاء على الفقر في مناطق ودول 
اخرى. 
ولأن الأمر يتعلق بالتنمية وبالثقافة وبالشعور الإنساني والمساواة والإرادة السياسية وتفعيل القرارات لبلوغ الأهداف الإنسانية للقضاء على الفقر في العالم، حيث يموت 50 ألف شخص يوميا نتيجة الجوع والفقر 
الشديد. 
لهذا بقيت معاناة الفقراء من آثار الأزمات الاقتصادية بحاجة الى معالجة حقيقية وعملية، إضافة الى معالجة قضايا الغذاء والدواء والمناخ، مما يتطلب من الحكومات الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة موقفا جادا وحاسما في قضية محاربة الفقر وإنجاز الأهداف العلمية للقضاء على هذه الآفة التي بدأت ترعب الإنسانية ولا تهددها 
فقط. 
أعداد الفقراء في ازدياد، ومجتمعات الفقراء تنقل معها التخلف والأمراض والوباء، وتقف عائقا امام وسائل التنمية والتطور، لذا تكون الحاجة ماسة لقرارات اكثر فاعلية، ودفع الحكومات الغنية لإسقاط الديون ومد يد العون للدول الفقيرة والمساهمة في تحقيق العدالة وضمان كرامة الإنسان وتحقيق اهداف التنمية، وان تكون النظرة الإنسانية تطغي على نظرة المصالح والارباح
والثراء. 
القاعدة الأساسية التي يمكن أن تسهم في القضاء على ظاهرة الفقر في أقل فترة ممكنة تكمن في وسائل التنمية، ومعالجة التخلف ومحاربة الإرهاب والأمراض والبدء بمخطط شامل يبدأ بالمناطق الأقل فقرا، ثم يتصاعد تدريجيا وفق منهجية إنسانية مدروسة تلتزم بها المنظمة الدولية والأعضاء التزاما وجدانيا، ويخضع الى تقييم مرحلي لما توصلت اليه المنظمة الدولية من نتائج. 
إن الشروع بتطبيق سياسة فاعلة خلال الفترة القادمة كفيلة بأن تحقق الحلم، الذي يراود عقول الفقراء في امكانية انهاء حالتهم المأساوية ورفع مستوى معيشتهم بما يحفظ كرامتهم وانسانيتهم، ويساويهم مع بقية أبناء البشر، وبالتالي يحقق التعهد الذي قطعه زعماء البلدان في الالتزام بتخفيض نسبة الفقر بشكل ملحوظ وملموس. 
يقينا أن الدول الغنية وبمساندة الشركات والأغنياء في العالم مع الجمعيات والمؤسسات المالية في حال مساندتها برنامج هيئة الأمم المتحدة، التي تلتزم بها الدول الأعضاء وفقا للأهداف التي تقررت تتمكن جميعا من المساهمة في القضاء أو تراجع نسبة الفقر في العالم على
 الأقل. 
ووثيقة العهد الدولي التي أطلقها العراق مبادرة تهدف إلى إقامة شراكة جديدة مع المجتمع الدولي، ويتمثل الغرض من هذا العهد بوضع إطار عمل بغية تحقيق الرؤية الوطنية للعراق يتمثل في السماح للقطاع الخاص بلعب دور قيادي في النشاط الاقتصادي، مع دور قيادي في النشاط الاقتصادي، مع دور خاص للحكومة في تنظيم هذا النشاط وحمايته من آثار التقلبات الخارجية وحماية الفقراء والفئات الضعيفة من الحرمان والجوع وتوفير معايير ملائمة من الخدمات الاجتماعية العامة للمواطنين
العراقيين.
يهدف العهد إلى خلق ديناميكية من الإجماع الوطني والدعم الدولي يعزز بعضها بعضاً، بينما يتمثل الهدف المحلي ببناء عهد وطني حول البرامج الحكومية السياسية والاقتصادية وإعادة إحياء ثقة الشعب العراقي في قدرة الدولة على حمايته وتلبية احتياجاته
 الأساسية.
الجوع والفقر ينهشان في جسد بلد مثل العراق معروف بثرواته وامكانياته الاقتصادية، وهو دليل أكيد على سوء التخطيط وعقم السياسة الاقتصادية والاجتماعية فيه. 
وحتى نجعل يوم محاربة الفقر العالمي مناسبة للتعاضد والتكاتف بين البشر، حيث يشكل اليوم العالمي للقضاء على الفقر في 17 أيلول من كل عام دعوة للجميع، بدءاً ممن يرسمون السياسات وانتهاءً بالشعب، للاعتراف بحقوق الناس الذين يعانون من الفقر وبما يضمن حياتهم ومعيشتهم 
وكرامتهم.