حسين المولى
من بين الأمور التي طرأت على الواقع الاجتماعي ظهور الشبكة العالمية وما تحتوي من منصات كثيرة، أبرزها مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت اليوم تشكل الثقل الأكبر أمام القوانين بصورة عامة والقانون الجنائي بصفة خاصة، فحرية التعبير منذ العصور القديمة ولحين الوصول للعصر الحديث هي من أبرز القضايا في الواقع القانوني المحاطة بالكثير من الاجتهادات وعدم التحديد الكامل،
فكُلِّ نظام تشريعي مختلف عن الآخر بسبب الطبيعة الاجتماعية وكذلك السياسية للدولة، وما يهمنا الآن ونحن في عصر المعلومة وعصر التواصل الاجتماعي الإلكتروني، الذي بات يعرف بعصر المعلوماتية فتحولت فيه الحياة الواقعية وإبداء الرأي أمام الشخص مباشرة face to face أصبح اليوم من خلال شبكة افتراضية وأماكن مختلفة ومتعددة، مما يستعدي أن يكون القانون هو المنظم لهذه الحرية؛ حتى لا يساء استخدامها والتمادي في استعمالها، والحرية الشخصية في إبداء الرأي نُصّ عليها في القوانين الداخلية وكذلك في الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وهذا يتعزز بما نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 19 لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء من دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود»، وكما نصت على ذلك الاتفاقية الأوروبية لحقوق الانسان في المادة العاشرة.
1 - لكل إنسان الحق في حرية
التعبير.
هذا الحق يشمل حرية اعتناق الآراء وتلقي وتقديم المعلومات والأفكار، من دون تدخل من السلطة العامة، وبصرف النظر عن الحدود الدولية، وذلك دون إخلال بحق الدولة في تطلب الترخيص بنشاط مؤسسات الإذاعة والتلفزيون
والسينما.
2 - هذه الحريات تتضمن واجبات ومسؤوليات.
لذا، يجوز إخضاعها لشكليات إجرائية، وشروط، وقيود، وعقوبات محددة في القانون حسبما تقتضيه الضرورة في مجتمع ديمقراطي، لصالح الأمن القومي، وسلامة الأراضي، وأمن الجماهير وحفظ النظام ومنع الجريمة، وحماية الصحة والآداب، واحترام حقوق الآخرين، ومنع إفشاء الأسرار، أو تدعيم السلطة وحياد
القضاء».
وهذا الحق أيضًا نصت عليه الدساتير منها الدستور العراقي لعام 2005 في المادة 38 بنصها صراحة على حرية التعبير عن الرأي «أولًا: حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل»، والدستور المصري المعدل لسنة 2019 في المادة 65 «حرية الفكر والرأي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو بالكتابة، أو بالتصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر»، نجد من خلال ذلك ان هذه الحرية محفوظة ومنظمة بصورة قانونية، ومع هذا التطور برزت مشكلة إبداء الآراء التي تعرض أمن الدولة أو الإساءة المؤثرة في سمعة البلاد أو المؤسسات فيها، سواءً كانت هذه المؤسسات عامة أو خاصة، وما يزيد الأمور تعقيدًا هو التفاعل الصامت مع ما ينشر، فالتساؤل المُثار هنا ما المسؤولية القانونية في دعم المنشورات التي تعرض أمن الوطن والمؤسسات فيها، سواء بالتفاعل الصامت أو مشاركتها
كِتَابِيًّا؟ فقبل أن نعرض للرأي الخاص يجب أن نذكر آخر قرار أصدرته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان فتوصلت هذه المحكمة أن مجرد الإعجاب بالمنشورات على منصة الفيسبوك، لا يُعد سببًا كافيًا للطرد من الوظيفة، ولا يُعد هذا الفعل انتهاكًا للمادة 10 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، كان هذا القرار بمناسبة قضية متعلقة بفصل سيدة تركية بعد دعوى تأديبية؛ وذلك بسبب ضغطها على زر الإعجاب «like» على مقالات منشورة في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك ذات محتوى يهدد النظام والأمن العام، الأمر الذي أدى للإنهاء الفوري لعقد عملها من دون استحقاق لمكافأة نهاية خدمة، نستنتج من ذلك بأن هناك فرق بين ما أنشأه الشخص وبين ما يتفاعل معه بصورة صامتة، ففي الحالة الأولى لا شك أنها وحسب النصوص القانونية تجعل الشخص تحت طائلة المسؤولية، أما في الحالة الثانية فلا يجوز ذلك لأن الغالب والمعروف بالقانون مواكبته للتطور اَلتِّقْنِيّ، وما يفعله الشخص في التفاعل الصامت لا يشكل تأييدًا مطلقا، بل من الممكن أن يكون لمجرد التفاعل لا غير وخاصة مع الصفحات المشهورة، لذا من الضروري التفريق بين إنشاء هذه المقالات وبين التفاعل معها، كما فعلت ذلك المحكمة في قراراها، وكما ان القرار قد فرق بين الموظف الحكومي الخاضع للخدمة المدنية والموظف الخاضع لقانون العمل في واجب الولاء والسلطة التقديرية، فحرية التعبير عن الرأي بصورة عامة وللموظف بصورة خاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تُعد اليوم أحد أبرز إشكاليات الواقع في كل دول العالم، تتفاوت بين الدول حسب ثقافة المجتمع وتنظيمها القانوني لهذي الحريات وما يتعلق بحريات الموظفين داخل العمل وخارجه.