صلاح حسن الموسوي
في العام 1949 تم تنفيذ حكم الأعدام بثلاث شخصيات قائدة وبارزة في المشهد السياسي العربي، اولهم المصري الشيخ حسن البنا مؤسس وزعيم حركة الأخوان المسلمين الذي اغتيل على يد البوليس السري التابع للنظام المصري في عهد الملك فاروق، والثاني اللبناني انطوان سعادة مؤسس الحزب القومي السوري الذي كان يعمل على مبدأ تحقيق «سوراقيا»، اي وحدة سوريا «بلاد الشام ومن ضمنها قبرص» مع العراق، وقد سلمته الحكومة السورية انذاك الى اللبنانيين لتنفيذ حكم الأعدام به بتهمة ارتكاب جرائم سياسية في لبنان، اما الثالث فكان العراقي يوسف سلمان «فهد» مؤسس وزعيم الحزب الشيوعي العراقي، الذي اعدم مع اثنين من رفاقه في السجن في عهد رئيس وزراء العهد الملكي نوري السعيد.
تشترك الشخصيات الثلاث بكونها ذوات فكر وكاريزما تضعهم في صدارة القيادة والتأسيس للتيارات السياسية الكبرى في العالم العربي «اسلامي، قومي، اممي» ابان القرن العشرين، ويختلف الثلاثة اختلافا شاسعا في المتبنيات والمنطلقات الأيديولوجية، فالبنا كان اسلاميا اسس حركة الأخوان المسلمين، التي لا تزال اشهر واهم الحركات الأسلامية في العالم، وسعادة كان مفكرا ومنظرا متصوفا في افكاره القومية واشتهر مؤيدوه بالروح الاقتحامية واللجوء للعنف، وكان من ضحاياهم قادة عرب بارزين اشهرهم الملك عبدالله الأول ملك الأردن ورياض الصلح رئيس جمهورية لبنان، والقيادي السوري البعثي عدنان المالكي، اما يوسف سلمان فيعد المؤسس الحقيقي للحزب الشيوعي العراقي، وقد لجأت السلطة الملكية في العراق الى اعدامه، بسبب نشاط الحزب المعادي
للسلطة.
خصوصا دور يوسف سلمان وهو في سجن الكوت بقيادة انتفاضة 1948 ضد معاهدة بورتسموث بين العراق وبريطانيا.
يربط المؤرخون السياسيون بين عملية التصفية النوعية تلك، الى التغيير الاجباري في ستراتيجيات القوى الغربية العظمى بعد الحرب العالمية الثانية، وللرافضين لما يسمونه نظرية المؤامرة رأيهم المحترم – الا ان التحليل المهم يؤكد تسّلم الولايات المتحدة بوصفها القوة الصاعدة بعد الحرب العالمية الثانية، ملف الشرق الأوسط الحيوي، من القوتين المستعمرتين السابقتين بريطانيا وفرنسا، بسبب عجزهما عن مواجهة المد الشيوعي الصاعد للاتحاد السوفييتي بعد خروجه منتصرا في الحرب، وخطر السقوط الوشيك لدول الشرق الأوسط وتركيا واليونان في احضانه، وقد شرعت المخابرات المركزية الأميركية بتنفيذ اول عملية نوعية لها في اطار ماعرف بالحرب الباردة، وهي الانقلاب العسكري في سوريا عام 1949 بقيادة حسني الزعيم، والشخصيات التي تم ذكرها، بات اختفاؤها من الساحة ضرورة قصوى، كونها صعبة التكيّف او التفاهم معها في ظل نشوب الحرب الباردة، وأعدّ الشرق الأوسط والمنطقة العربية احدى ساحاتها المهمة، وهذا ما تكرر حدوثه بعد سنين قليلة بانقلاب الـ c.i.a في ايران بالتعاون مع المخابرات البريطانية M16، واسقاط حكومة الزعيم الوطني الايراني محمد مصدق عام 1953بعد مبادرته الى تأميم صناعة النفط
الايراني.
يقودنا الموضوع الى تيمة اساسية في النظريات السياسية سواء منها العالمية او المحلية وهي جدلية «ايديولوجيا – عقيدة» و«براغماتية – مصلحة»، حيث لم يعن الاختلاف الأيديولوجي للزعماء الثلاثة، فارقا امام حتمية القوة والمصلحة الاستعمارية، ودور المؤسس او الزعيم في الحياة السياسية العربية لا جدال حول
اهميته.
فالشعوب العربية التي اعتنقت الأيديولوجيا كظاهرة ولدت في الغرب لتحل محل الدين في المجال السياسي، شهدت وعلى مدى نشاطها ما يقرب من عملية التديين للسياسة ورفع الزعيم الى درجات من التبجيل والتعظيم الشديد، ونحن هنا لسنا بمعرض الادانة، فدور الفرد في التاريخ بديهية انسانية يتفق عليها الشرق والغرب، وقد كان الدين هو المجال الأرحب للسياسة عند الشعوب العربية قبل تعّرفها على الأيديولوجيات القومية والأممية مطلع القرن العشرين، وقد احتاجت الأحزاب الأيديولوجية الشعبوية العربية الى مدة كافية من الزمن لاستعادة توازنها والخروج من نفق الارتباك والتضعضع بعد اختفاء زعمائها التاريخين، بل وصل بعضها الى ما يشبه الموت السريري وعقم الفعالية السياسية كما حصل مع الحزب القومي السوري بعد موت
سعادة!.
وبخصوص تكرار سيناريو شطب الزعماء السياسين كما حصل مع القادة الثلاثة، لم تتغير القوة العالمية القائدة «الولايات المتحدة» بعد النقلة الكبرى عقب انهيار نظام القطبية وتفكك الاتحاد السوفييتي، بل ظهرت النظرية الأميركية بنهاية التاريخ وموت الأيديولوجيا وانتصار الليبرالية الديمقراطية كخيار اوحد وجامع لشعوب العالم ومن دون استثناء، ولكن العالم العربي ومع الانسياق الرسمي والشعبي العربي خلف خيارات اللبرلة الاقتصادية والديمقراطية السياسية، شهد صعودا قويا لأحزاب الاسلام السياسي وفوزها بالانتخابات في معظم البلدان العربية، مما أعد هيمنة لتيار حزبي ايديولوجي!، دفعت وما زالت تثير ردود افعال لدى مايسمى بالتيار العلماني لبعث الروح بالأيديولوجيا المضادة، من اجل انهاض تيار شعبوي منظّم مضاد وخلق زعامات جديدة، يمكن ان يكونوا قادة تاريخيين او ديكتاتوريين عادلين يعتنقون الفكر الوطني او القومي او الأممي بشقيه اليساري او الليبرالي.