الواقعيَّة في إدارة السياسة العراقيَّة

آراء 2021/06/22
...

  لقمان الرماحي
 
بينما تحاول الطبقة السياسيّة رشّ العطر على أخطاء النظام السياسي بعد 2003، حتى وصولها لمرحلة لم يعد من خلالها ممكناً تجميل ما يحدث، رئيس الجمهورية برهم صالح يقترح منهجاً جديداً يختلف عن الاخرين.
الرجل، الذي لا يعتمد على اللغة وأوهامها ومجازاتها، وإنّما على لغة الأرقام، كان من الأوائل  الذين صارحوا الناس بقوله «إننا نحتاجُ لعقد اجتماعيّ جديد يؤدّي لحكم رشيد»، قيلت هذه الجملة في وقتٍ كان يتحدثُ فيه المسؤولون عن «البناء والإعمار»، وتُقتَل الشباب في ساحة التحرير، في «تشرين» التي أول مَن وقف معها، وهدّد بالاستقالة فيها كان برهم صالح.
قبل ثلاثة أيام، ظهر برهم صالح في «ملتقى بحر العلوم للحوار»، مُحتفى به، ومُتحدثاً مع الحضور عن أشياء كثيرة.
لعلّ هذا الظهور كان واحداً من أبرز عتبات السياسة العراقية بعد 2003، خصوصاً في هذه السنوات المُلتبسة، التي يبدو أنّ الجميع فيها لا يرى بشكلٍ واضح، لكنّ المنطلِق من لغة الأرقام والواقعيَّة السياسيَّة كان له رأي آخر يختلفُ جداً عن «زملائه» من 
السياسيين.
تحدّث صالح أولاً، عن ضرورة أنْ يكون المشروع السياسيّ العراقي مشروعاً وطنياً من الداخل، الأمر الذي يؤشر، بطريقة واضحة، على خلل بتنفيذ سياقات الدولة التي أنهكتْها التدخلات والقيمومة الخارجية، وهذا ما أكد عليه منذ توليه الرئاسة، وجولته في المنطقة التي شملت الرياض وطهران وغيرها من العواصم المؤثرة في المنطقة.
هذا الاتجاه لم يتغيّر أبداً في مسيرة رئاسة الجمهورية العراقية، التي انتقلت من منصب تشريفيّ، إلى منصب مؤثّر، بل يكادُ يكون الأكثر تأثيراً بسبب أداء
صالح.
الواقعية التي نتحدثُ عنها، متعلّقة بتشخيص ما سمّاه بـ»الاختلالات»، وأولى خطوات الحل هو الاعتراف بالمشكلة، لا رمي كل الأخطاء السياسية في إطار المؤامرة، والتنفيذات الخارجية، وفي كلّ تصريح كان يشير صالح إلى أنَّ الحلّ ممكن، فيما لو توفّرت الرغبة الفعليّة الوطنيّة، بعراق موحّد يتساوى مواطنوه بالحقوق والواجبات.
مواجهة المواطنين بالاعتراف أنّ النظام السياسي ذو اختلالات تحتاج إلى العلاج الفعّال الواضح، وبسيادة مكتملة، هو اعتراف واقعيّ، ينطلقُ من عقليّة أن السياسي صاحب عقد اجتماعيّ مع المواطن، لتنفيذ رغبات المواطن والانطلاق إلى وضعٍ أفضل.
حديثُ صالح في المنتدى، لم يخل من الأرقام، خصوصاً التحذير من الانفجارات السكانية، والأموال الضائعة في الموازنات المختلفة. هذا الحديث لم يكن حديثاً في الهواء، بل تبعته مشاريع قوانين ومقترحات: الحديث عن حفظ المكوّنات، وقانون الناجيات من الإرهاب، ونبذ الطائفيّة الذي أفرزَ بالتالي قانون (حقوق ضحايا سبايكر)، ثمّ الوقوف ضدّ الفساد، الذي أفرز مشروع قانون (استرداد عائدات الفساد)، الذي يتطلبُ تعاوناً دولياً يحاصر الفاسدين الهاربين الذين سرقوا قوت الشعب.
الكلام ليس كلاماً فحسب، بل يشملُ الفعل أيضاً، ولم يكن هذا ليكون لولا أنّ الرجل ينطلق من واقعية سياسية، ذات نظرة بسيطة وعميقة بذات الوقت، النظرة التي تقول: واجه نفسك بالمشكلة، وابحث عن الحل.