نخلة وشجرة جوز

آراء 2021/06/23
...

   نوزاد حسن 
              
 في {البؤساء} لخص فيكتور هوغو في جملة ساحرة حكاية الانسان في زمنه حين قال بان تاريخ الانسان ينعكس في تاريخ البالوعة، والحكاية ببساطة هي ان هوغو اراد أن 
يأخذ فكرة عن مجاري باريس التي دخل فيها كي يصف بدقة نزول بطله اليها حين هرب من الشرطة التي تلاحقه، ويبدو أن مجاري باريس في ايام هوغو كانت ملجأ لرجال السياسة واللصوص والخارجين 
على القانون، وهناك تعثر الشرطة بعد حملات التنظيف السنوية التي تقوم بها على اشياء كثيرة تخص اولئك الاشخاص كقطع النقود والذهب والاسلحة وما 
الى ذلك.
 وعندنا يختلف الامر اختلافا كبيرا، لان تاريخنا ينعكس في تاريخ نخلة في الجنوب، وشجرة جوز تنمو على سفح جبل، ومن الممكن الحديث عن تاريخ البشر ونحن نروي سيرة غابات النخيل التي كانت منتشرة في مدن الجنوب، وما اعطته هذه الغابات من حياة خاصة لمن كان يعيش تحت 
ظلالها.
 في المقابل تعكس اشجار الجوز عالما مميزا جدا اضاف لمزاج الكرد طبيعة يغلب عليها ذلك الاندماج العميق بكل سحر الارض من حولهم، وكما سحرت غابات النخيل الجنوبي المواطن الذي يحب ارضه والفنان، كذلك لعب سحر شجرة الجوز بقلوب الكرد فتعلقوا بهذه الشجرة تعلقا وجدانيا، واذا انطبق على النخلة انها عمة من عاش بقربها، فذلك ينطبق ايضا على شجرة الجوز، اذ انها عمة الكردي 
بامتياز.
 طبيعتان من دم واحد، ومن مصير واحد ايضا، فقد سرقت الحروب التي خاضها النظام السابق كل شيء، واحترقت غابات النخيل وجرفت وقصفت وتقلص العدد الكلي بعد أن كنا نمتلك اكثر من ثلاثين مليون نخلة، ثم اجهز اللسان الملحي والحشرات على هذه الثروة التي لا بد من الانتباه اليها واعادتها الى سابق عهدها.
 وما جرى في الجنوب يتكرر في سفوح وقرى الاقليم في هذه الايام، وتشير التقارير الى حرق آلاف الدونمات المزروعة بعد توغل القوات التركية في مطاردة حزب العمال الكردستاني، وهذا ما دفع باهالي القرى الى النزوح الى ناحية كاني ماسي وترك كل شيء خلفهم، وواجهت اشجار الجوز مصير النخيل ايام الحرب العراقية الايرانية، وبعد هذا التاريخ المؤلم صرنا نستطيع أن نكتشف وجوه البشر ومعاناتهم وهي تنعكس في قصص النخل، واشجار الجوز 
المحترقة.