محمد صالح صدقيان
منذ سنوات ونحن نتبادل الحديث عن أحداث مهمة تجرى في ايران والمنطقة؛ وعن تداعياتها ونتائجها وتاثيراتها في المحيط الداخلي والاقليمي والخارجي. اتحدث معه بوضوح وواقعية في ما اعرفه عن ذلك؛ يقينا مني أن هذا الصديق الذي يشغل منصبا مهما في دولته يستطيع ان يتعاطى مع ايران وفقا لهذه الواقعية، كما انه يستطيع أن يعطي أصحاب القرار في دولته ما يستطيع أن يخدم مصالحها الوطنية وان يحسن {تقدير الموقف}.
وللأمانة فإنه كان ينقل لي مصير التقييم الذي اقدمه له وفي "تقدير الموقف" الذي تتخذه بلاده حيال مختلف التطورات، التي تخص علاقة بلاده بايران وبالتطورات الاقليمية.
صديقي سألني هذه المرة عن تداعيات فوز ابراهيم رئيسي في الانتخابات الرئاسية على المستويين الداخلي والخارجي. قلت له إن رئيسي محظوظ في حياته او كما يقول العراقيون {مبخوت} فانه الان سيتربع على كرسي رئاسة كان متِعبا لسلفه حسن روحاني الذي ناضل وجاهد لرفع العقوبات الاقتصادية عن بلاده، لكنه فشل بعد ما انسحب الرئيس الاميركي دونالد ترامب من {الاتفاق النووي} وبقي عصيا الا أن يرفع هذه العقوبات في المئة يوم الاخيرة من عهده. واتوقع انه سينجح في ذلك ويقدم هذه الخطوة المهمة على طبق من ذهب لابراهيم رئيسي.
ليس مهما ما قالته الادارة الاميركية عن ابراهيم رئيسي؛ عن تشدده؛ عن الظروف التي فاز بها؛ عن ملفه الذي فتحته منظمة العفو الدولية؛ كل ذلك ليس مهما بقدر اهمية رضوخ الادارة الاميركية للاستحقاق الايراني ووقوفها صاغرة للتعاطي معه بعد استجابتها للطلب الايراني باعطاء ضمانات تنفيذ الاتفاق، الذي يتم مع ايران في مباحثات فيينا.
قال لي صديقي؛ كيف يمكن لرئيسي التعاطي مع منظمة العفو الدولية؛ قلت له إن مسودة الاتفاق الذي توصلت اليه مباحثات فيينا ازالت جميع العقوبات، التي فرضها الرئيس ترامب على ايران بما في ذلك تلك التي فرضها على شخصيات ايرانية ومنها ابراهيم رئيسي. ايضا ليس هذا مهما.
المهم قضية احياء الاتفاق النووي الذي سيتم قبل 3 اب اغسطس موعد استلام رئيسي للرئاسة الايرانية، كما رجح وزير الخارجية محمد جواد ظريف؛ وما سيحدث بعد ذلك. قال وما الذي سيحدث؟ قلت ببساطة متناهية؛ رفع العقوبات الاقتصادية وعودة الجانب الاميركي لطاولة 5 + 1 وسيكون المفاوض الايراني مقابل المفاوض الاميركي روبرت مالي وجها لوجه لتناول مواضيع متعددة؛ وتكون هذه الطاولة اطارا امنيا سياسيا اقتصاديا تضم اعضاء مجلس الامن الدولي، اضافة الى المانيا زائد ايران لبحث التطورات الامنية والاقتصادية والسياسية في منطقة الشرق الاوسط.
لا أقول إن ايران سترجع {شرطي المنطقة} وانما سيكون رايها وتصورها مطروحا على طاولة المجموعة. هل ان رئيسي سيكون متشددا في مواقف حكومته؟ ربما؛ لكن بما يخدم مصالح بلاده، خصوصا اذا عرفنا انه سيرأس مجلس الامن القومي، الذي يناقش جميع الملفات الستراتيجية، ومنها الملف النووي وعلاقات بلاده مع الدول الغربية وتحديدا الولايات المتحدة.
رجوعا لملف العقوبات. قبل احياء الاتفاق النووي يشترط الجانب الايراني التحقق من اجراءات رفع هذه العقوبات، وهذا يعني طريق بيع النفط يكون سالكا في جميع مفاصله؛ التعامل المالي مع البنوك الخارجية، تكون سالكة ايضا من دون معوقات مع ازالة العقوبات على الشركات والمؤسسات الاقتصادية الايرانية، والسماح لشركات الاستثمار الاجنبية دخول السوق الايرانية. مثل هذا الواقع يعطي الرئيس المنتخب ابراهيم رئيسي مجالا كبيرا للحركة في الداخل الايراني لمعالجة المشكلات الاقتصادية الملحة، كالتضخم والبطالة وتدهور العملة والنمو الاقتصادي ومعالجة المشكلات في المجال الصحي على خلفية جائحة كورونا. أنا لا أريد أن أعطي صورة وردية لعهد ابراهيم رئيسي، لكن ايا كان الفائز في الانتخابات، فانه سيواجه مثل هذه الظروف في حال تم احياء الاتفاق النووي، الذي هو قاب قوسين اودنى كما نقل كبير المفاوضين الايرانيين عباس عراقجي.
وماذا عن امكانية خلافته للمرشد؛ سألني صديقي القديم؛ قلت من السابق لاوانه التحدث بمثل هذا الموضوع؛ والاعمار بيد الله؛ لكن ايران تمتلك آلية لانتخاب المرشد في حال غيابه؛ و {مجلس خبراء القيادة} سوف يتصرف كما حدث في حال غياب الامام الخميني عام 1988؛ وهناك خيارات متعددة مفتوحة كما يحددها الدستور.
في ما يخص العلاقات الاقليمية؛ باختصار سيرجع سفراء الدول الخليجية الى مقرات عملهم في طهران، وان العديد من الملفات الاقليمية ستجد طريقها للحل على قاعدة {رابح رابح}.
في النهاية أنا سالته هل تعتقد اني مبالغ القول إن ابراهيم رئيسي محظوظ؟ قال اذا كانت هذه هي الصورة ماذا تريد مني أن أقول؟.