رزاق عداي
كانت مقاربات الكاتب الاميركي من أصول يابانية {فوكاياما} في كتابه الشهير {نهاية التاريخ} يدعي الكثير بعد أن ظهرت ملامح تفكك الاتحاد السوفييتي السابق تلوح بالافق، وبعد أن وضعت الحرب الباردة بين الاخير واميركا اوزارها، فكانت افكار الكتاب قد أعلنت أن البشرية اصبحت عند الحافة الاخيرة للتاريخ، وهي تدشن الليبرالية الجديدة، التي هي الحلقة الاخيرة من اشكال الانماط والعلاقات الانتاجية
وهي متناغمة مع القوانين الطبيعية للحياة، وبرأيه ان النظام الراسمالي الليبرالي حقق نصرا ناجزا على الايديولوجية الاشتراكية، وبهذه النتيجة انتهى النظام العالمي ذو القطبين، وشرعت بلدان الكتلة الاشتراكية الشرقية للسعي بتحقيق خطوات التطبيع مع النظام الليبرالي الجديد.
ولكن اليوم لا نجد انفسنا نوافق على تلك الطروحات التي مضى عليها اكثر من ثلاثة عقود من الزمان، بعد ان تراجع مطلقها {فوكاياما} نفسه عن الكثير منها، بمواجهتها مع الكثير من التغيرات والتفاعلات على مستوى السياسة الدولية، والاستقطابات الاقتصادية الجديدة.
فأين وعود النظام الدولي الجديد؟ ، وقد زادت حدة توترات العالم وحروبه ومشكلاته المتراكمة، وعمت الكثير من الفوضى، وجرى التجاوز على قوانين وقرارات الامم المتحدة، وهناك استقطابات جديدة في الافق العالمي في السنين الاخيرة.
في ندوة له في أحد المنتديات الاميركية، قال كيسنجر وزير الخارجية في عهد الرئيس الاميركي الاسبق {ريشارد نيكسون} ومهندس التقارب التاريخي بين واشنطن وبكين في سبعينيات القرن الماضي، يجب الانتباه الى توتر بين الولايات المتحدة الاميركية والصين، الذيى يهدد العالم بأسره، وقد يؤدي الى نزاع غير مسبوق، وربما سيكون أشد خطرا من ذاك الذي حدث في الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد السوفيتي السابق، فالمسألة النووية تضاف الآن الى الانجازات التكنولوجية الجديدة، التي ترتكز على مجال الذكاء الاصطناعي، ورأى وزير الخارجية الاميركي {كيسنجر} انه لا يمكن مقارنة هذا الوضع بتلك الحرب الباردة، التي اندلعت بعد الحرب العالمية الثانية، فالاتحاد السوفيتي لم يكن قوة اقتصادية كبيرة جدا، وكانت قدراته التكنولوجية عسكرية فقط، عكس ما تتمتع به الصين اليوم، التي تمتلك قوة اقتصادية هائلة، اضافة الى قوتها العسكرية
الكبيرة.
صراع الحرب الباردة الذي اندلع في اعقاب الحرب العالمية الثانية، كان صراعا بين منظومتين مختلفتين تماما، كل واحدة تمتلك رؤية كلية، وتصورا شاملا للحياة بكل ابعادها، وهذا الاختلاف يمتد ليشمل الفكر والفلسفة، والتاريخ ، وخصوصا التصور النهائي لهذا الاخير والرهان عليه، وكلاهما يمتلكان فهما مضادا لطبيعة في ذاك الوقت، وما يتوقع له من نهاية.
اما اليوم فالصراع بين الاقطاب يجري في سباق عولمي محموم، الكل ينخرط في المنظومة ذاتها، في مظهره الخارجي هناك تنافس اقتصادي غير منقطع، يرافقه تقدم مذهل في سلاح نووي – سيبراني.