إعادة تعريف الدولة المدنيَّة

آراء 2021/06/26
...

 مشتاق جباري
 
هناك من يعرف الدولة المدنية ويفهمها بشكل خاطئ حين يقول «انها مصطلح علماني يعني فصل الدين عن الحياة» هناك خطأين وليس واحدا، الاول فهم تعريف الدولة المدنية والثاني فهم تعريف العلمانية، وهؤلاء يجمعون بين المفهومين، المدنية والعلمانية، ويطلقون عليهما تعريفا واحدا،بفهم قائم على المقولة التقليدية السائدة «فصل الدين عن الحياة وفي تعبير اخر فصل الدين عن السياسة» والحقيقة ان المدنية لها فهم وتعريف مختلف، والعلمانية كذلك، وهما في المجمل لايعنيان فصل الدين عن الحياة. فالمدنية مصطلح مستحدث الهدف منه الفصل بين انموذج الدولة الثيوقراطية الدينية، والدولة الديموقراطية، من جهة،وفصل الدولة الديموقراطية، عن الانظمة الدكتاتورية العلمانية من جهة اخرى، اي الهدف من وضع مصطلح المدنية هو فصل التطرف عن الدولة ومفاهيمها وقواعدها. فالدولة المدنية قد تكون ملكية دستورية، وقد تكون جمهورية ليبرالية وقد تكون بأشكال وعناوين اخرى، فللمدنية قواعد فكرية وفلسفية واخلاقية، تمثل مجموعة مشتركات تجمع بين الدين والعلمانية، وهي بمجملها الاساس الفكري لقاعدة الدولة. طبيعة الدولة المدنية وفلسفتها السياسية وافكارها لا تقوم على فصل الدين عن الحياة، بل هي تعطي مساحة كاملة من الحرية الفردية والجماعية للمجتمعات بممارسة عقائدها الدينية وغير الدينية، ولا تفرض عليها اي قيود او موانع وتسمح بحرية الافكار والمعتقدات بشكل تام، من دون التأثر بمتطلبات السلطة والسياسة. اما عن فصل الدين عن السياسة، في الدولة المدنية، فهذا قد يصح لو صنفنا الدولة المدنية على أنها دولة علمانية، لكن لو وصفنا الدولة المدنية وصفا لوعاء يحتوي على خلطة متنوعة،وباستيعابه لهذه الخلطة وقدرته على مزج مكوناتها معا بانسجام تام، فإن فصل الدين عن السياسة لا يكون له وجود في فلسفة ووعي وفكر وبناء هذه الدولة، وهي تسمح للدين بممارسة السياسة مع عدم السماح للقوى السياسية الدينية او العلمانية بانتهاك ثوابت الديموقراطية. هناك وضع سابق يجب تذكره ويتعلق بالانظمة العلمانية العربية ذات النزعة السلطوية الفردية، والتي فرضت منطق فصل الدين عن السياسة بألقوة والدم، وهذا الامر لا يرتبط بفكرة العلمانية بقدر ما يرتبط باستغلال هذه الفكرة من قبل السلطويين، وهذا الاتجاه ايضا ينطبق على الاسلاميين الذين يستغلون حالة الدين للوصول الى السلطة، ويفترض ان العلمانية الديموقراطية ذات الجوهر المدني لا تفرض فصل للدين عن السياسة، وكذلك الدولة الدينية التي يفترض بها ان تمتلك جوهرا مدنيا، فالأديان في جوهرها مدنية انسانية تحترم الحرية وتقدر الافكار والمتبنيات وتلتزم بمراعاة تنوعها من دون تقييدها بأي شكل كان.