صلاح حسن الموسوي
استبق رئيس الحكومة العراقية السيد مصطفى الكاظمي موعد اجتماع القمة الثلاثية، بمقال نشرته بالتزامن كلا من جريدتي الصباح العراقية والشرق الأوسط السعودية, تضمن رؤيته الستراتيجية لما ينبغي أن يكون {مشروع العراق} لاستعادة دوره الاقليمي وبالأخص في محيطه العربي، حيث حرمه طول الغياب منذ مطلع التسعينيات عن شغل مركزه المعروف كاقوى بلد عربي بعد مصر, ولا يمكن تجاوز ثقله الاقتصادي والسياسي والثقافي والأمني
وقد كان العراق دائما ما يكون صاحب حصة المنصب الاقتصادي الأول في الجامعة العربية، كتقليد شبه ثابت اسوة بمصر التي تتبوأ المركز السياسي الأول في الجامعة العربية، ومن نافل القول التأكيد على أن الجو العربي هو البيئة الأولى الموائمة لحركة العراق ضمن المساحة الكافية والواثقة لدوره الريادي في التاريخ الحديث، كمؤسس للجامعة العربية والمنظمة العربية لتصدير النفط {اوبك} وغيرها، وتأتي العلاقة (العراقية – المصرية – الأردنية) الجديدة على ارث من التعاون الاقتصادي الحيوي في زمن ليس ببعيد، أبرزه التواجد المكثف للعمالة المصرية في العراق، وتحول ميناء العقبة الأردني الى ما يشبه الميناء العراقي ابان تعطل الموانئ العراقية في زمن حرب الثماني سنوات مع الجارة ايران.
ثمة عامل اساسي لا يمكن اغفاله حول ترطيب الأجواء في المنطقة ويتمثل بانتخاب الرئيس بايدن بدلا عن دونالد ترامب الذي ادخل العالم ومنطقة الشرق الأوسط في دائرة معتمة من الاستقطاب الحاد، واتخذت سياسته مسارات لا يمكن التنبؤ بارتداداتها على مستقبل شعوب المنطقة، ومع ان جوزيف بايدن اظهر حتى الآن عدم الحماسة او الاستعجال بالانخراط في القضايا العربية، الا أن مصر بدأت بخطوات حيوية في استقبال العهد البايدني عبر تخفيف حدة التوتر مع خصميها اللدودين تركيا وقطر, وتدخلت بفاعلية غير مسبوقة في الحرب الأخيرة بين {اسرائيل} والفلسطينيين، ومن جانبها تسعى الأردن لطي صفحة ترامب والعزلة المقصودة عليها من قبل ادراته بحجة عدم المطاوعة لمشروع صفقة القرن, حيث يستعد الملك الأردني عبدالله الثاني لزيارة الولايات المتحدة، ويمكن قراءة الزيارة السريعة لنيجرفان بارزاني رئيس اقليم كردستان الى الأردن واجتماعه بالملك هناك، في اطار بحث او استفهام قادة الاقليم عن موقعهم في ظل المشروع العربي الجديد، وكذلك الخدمة التي يمكن ان يقدمها لهم الملك عبدالله عند زيارته المرتقبة لواشنطن. وبدوره كان السيد مصطفى الكاظمي صريحا ومثابرا في اعلاء خيار حل التعاون الاقتصادي لمشكلات العراق والمنطقة، منذ توليه رئاسة مجلس الوزراء وذلك على اثر الاحتجاجات الشعبية في العراق والتي كانت في الغالب ذات جذور معيشية واقتصادية, واعلن في زيارته للولايات المتحدة ولقائه الرئيس الأميركي دونالد ترامب ايمانه وتوقه لتنفيذ مشروع انهاض المنطقة اقتصاديا على غرار مشروع السوق الأوروبية المشتركة.
تنأى الافكار التي دونها السيد مصطفى الكاظمي بعيدا عن تشخيصات الاعلام للمشروع الجديد واجهاده بحمولات غير واقعية مثل {مشروع الشام الجديد} او معادلة {نفط عراقي – عمالة مصرية}، فهو يقول بصريح العبارة {لم يعد ممكناً التعايش مع مثل تلك الأزمات، وهو ما دفع شعبنا العراقي لتحميلنا مسؤولية جسيمة بتضميد مكامن جرحنا الوطني، للحيلولة دون تقيحه واستعصاء معالجته واستفحاله. ونحن إذ نسعى لذلك ندرك أن معافاة عراقنا إنما هي إسهامٌ في معافاة عالمنا العربي واستنهاضه. وتلك هي مسؤوليتنا الوطنية والقومية المشتركة}. وهذا الطرح يتضمن اخراج العراق من سبات الطرف المستهلك والاقل كفة في ميزان التبادل التجاري {خارج النفط} وذلك عبر تخطيط وتنفيذ سياسة اقتصادية وطنية، تحمي العراق وشعبه من هول الازمات المتعاقبة والمتوقعة بفعل جائحة كورونا وشبح الارهاب المتربص بالعراق والمنطقة، كما ولا يغيب عن وعيه الحرص على نفي تكرار سيناريو التجربة القصيرة الفاشلة لمجلس التعاون العربي الذي تأسس عام 1989 بعضوية (العراق- مصر – الأردن – اليمن ) وانفرط عقده بعد اشهر قليلة، وقد اختصر القول في وصفه الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل في كتابه أوهام انتصار { ان اربعة من قادة مجلس التعاون العربي جاؤوا من عوالم مختلفة ومتناقضة، ومع ذلك تباينت وجهات النظر التي كانت غير محتملة للشراكة}.