العوامل المتداخلة لتفسير ظاهرة العبادة في الجاهلية

آراء 2021/06/29
...

  أ. د. نجاح هادي كبة
 
أن شيوع اية ظاهرة تحركه عوامل تحتية وأخرى فوقية متداخلة اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية. 
وهذه العوامل هي التي تحدد وعي الافراد بالظاهرة، سواء أكان هذا الوعي ايجابياً أم سلبياً وشيوع ظاهرة عبادة الاصنام في الجاهلية. 
يحركها العامل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ومن ذلك مثلاً عبادة الصنم: مناة، (كان اقدم الاصنام) كلها مناة وقد كانت العرب تسمي (عبد مناة) و(زيد مناة) وكان منصوباً على ساحل البحر من ناحية المشلل بقديد، ببن المدينة ومكة وكانت العرب جميعاً تعظمه وتذبح حوله.. كانت الأوس والخزرج ومن يأخذ بأخذهم من عرب أهل يثرب فكانوا يحجون فيقفون مع الناس المواقف كلها ولا يحلقون رؤوسهم، فإذا نفروا أتوه فحلقوا رؤوسهم عنده واقاموا عنده... بعث النبي عليا فهدمها وأخذ ما كان لها... وكان في ما اخذ سيفان كان الحارث بن ابي شمر الغساني ملك غسان اهداهما لها). 
(الاصنام لابن الكلبي، ت: أحمد زكي، القاهرة، 1965م ص13). 
ويلاحظ من النص المتقدم بروز العامل الثقافي في تحريك وشيوع عبادة الاصنام، إذ كان عرب الجاهلية يسمون أسماءهم بأسماء الاصنام فقالوا (عبد مناة) و(زيد مناة) كما قالوا: (عبد العزى) وعبد اللات وغيرها كثيراً. 
ومما يحرك العامل الثقافي العامل الاجتماعي فكانت العرب جميعاً تعظم الاصنام، وهذا التعظيم لا يقتصر على مناة بل يتعداها إلى غيرها من الاصنام، فكانوا يحجون إليها ويحرك العامل الثقافي والاجتماعي العامل الاقتصادي، فكانت العرب تذبح للاصنام وتقدم القرابين والاضحيات، ومعلوم إن الجزيرة العربية تعاني من شظف العيش والشح في الخيرات، والاصنام كانت محطة لاشباع الجائعين حتى من الطعام غير المقبول كالدقيق بما فيه من القمل يقول ابن الكلبي: (وكان لقضاعة ولخم وجذام وأهل الشام صنم يقال له الأقيصر، فكانوا يحجونه ويحلقون رؤوسهم 
عنده. 
فكان كلما حلق رجل منهم رأسه القى مع كل شعرة قــرّة من دقيق، قال: فكانت هوازن تنتابهم في ذلك 
الابان. 
فان ادركه قبل ان يلقي القرة مع الشعر، قال (اعطينيه فإني من هوازن ضارع وإن فاته ذلك الشعر بما فيه من القمل والدقيق فخبزه واكله) {المصدر السابق، ص:48}. 
وهذا النص كالنص المتقدم يفسر العوامل المتداخلة في شيوع ظاهرة عبادة الاصنام في الجاهلية وهي {العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية} كان (من الأماكن التي كان يقصدها العرب، هي الاماكن الخصبة التي غالباً ما كانت تدور الحروب حولها، لذلك فانه في الصحراء المجدبة تبدو الاماكن الخصبة مواضع متميزة لذلك ليس من المستغرب أن يكون العرب قد خلعوا القداسة على هذه المواضع وجعلوها مراكز عبادة) {اديان ومعتقدات العرب قبل الإسلام، د. سميع دغيم، دار الفكر اللبناني- بيروت، بلا: ز.ن ص:130}.
(وكان العرب، حسب الروايات، يتفننون في الاعتناء بالبُدن التي كان يقربونها إلى الهتهم فيعينونها لذلك الغرض زمنا طويلا قبل النحر ويسمنونها حتى تظل عظيمة ثم يسوقونها الى الحرم حيث تذبح) {القربان في الجاهلية والاسلام، وحيد السعفي، الانتشار العربي، بيروت، ط1، 2007م ،
ص:162}. 
ويبدو أن العامل الديني والاجتماعي من العوامل المهمة في تحريك ظاهرة عبادة الاصنام وشيوعها في الجاهلية، يقول ابن الكلبي وكان الذي سلخ بهم الى عبادة الاوثان والحجارة إنه كان لا يظعن من مكة ظاعن إلا احتمل معه حجراً من حجارة الحرم تعظيما للحرم وصبابة بمكة، وحيثما حلوا، وضعوه وطافوا به كطوافهم بالكعبة تيمنا منهم وصبابة بالحرم وحباً له) {المصدر السابق، ص:6}. 
وكان يستقسمون بالاقداح عند الاصنام، يقول د. سميع دغيم (ويروى أن امرؤ القيس مر بذي الخصلة وكانت له ثلاثة اقداح، الآمر والناهي والمتربص، فاستقسم عنده ثلاثة، فخرج الناهي، فكسر القداح وضرب بها وجه الصنم وقال: لو ابوك قتل ما عوفتني وغزا بني اسد فظفر بهم) {المصدر السابق، ص:133}. 
ومن خلال ما تقدم يتضح أن العوامل الاقتصادية والاجتماعية والدينية والثقافية تتداخل في ما بينها في حياتهم الخاصة والعامة وتحركهم لعبادة الاصنام، حتى اصبحت سلوكاً لا يمكن تغييره إلا بالقوة وهذا ما قام به الرسول (ص) واصحابه في تحطيم هذه 
الاصنام.