لقاح ضد الجهل

آراء 2021/06/29
...

 د. كاظم عبد الزهرة 
ما زال العالم مرتبكا في مواجهة وباء كورونا، وما ألحقه من ضرر في تفاصيل حياتنا، حتى بدت كل الحلول قاصرةً أو عاجزة، غير أن الضرر الذي أصاب قطاع التعليم في العراق كان ضررًا مركبًا يقتضي حلا طارئًا، فمقابل أي تراخٍ في معالجة وضع التعليم، ينتج كل يوم مرض اشد فتكًا وأكثر قوة؛ مرض خفي تظهر آثاره في المستقبل.
انتهى العام الدراسي، وخلّف وراءه الآف الدروس والمعارف التي لم تتمكن وزارة التربية من تزويد ابنائنا بها، فالحلول التي فرضتها خلية الازمات لكبح انتشار الوباء كبحت فاعلية التعليم أيضا وأضرت بجودته وكفايته، واضاف تكييف كتب المناهج واختصار بعض دروسها حرمانا اخر الى قائمة الحرمان الطويلة لحقوق الطفل في العراق؛ في بيئة تعليمية يستحيل ان يتعلم فيها التلاميذ والطلاب كل ما هو مقرر من دروس وحصص، فالتكييف لم يكن سوى اختصار وحذف لبعض الفصول من كتب المناهج، والبنية التحتية للاتصالات عجزت عن تزويد أكثر من عشرة ملايين متعلم وأكثر من نصف مليون معلم بالحزمة اللازمة لعقد دروس تحتاج الى نطاق عريض لأنها دروس متلفزة ذات حجم كبير، وما من اجهزة لوحية مناسبة، بل ان هناك ملايين التلاميذ والطلبة لا يملكون هاتفا او جهازا يتعلمون به! واغلب المعلمين والمتعلمين لا يعرفون الحد الادنى من الشروط اللازمة للانخراط في تعليم الكتروني، او تعلم عن بعد حتى لو كان عبر برامج التواصل الاجتماعي المحفوفة بشتى المخاطر. 
كل هذه المعوقات تدل على ان تلك الحلول لم تكن حلولا واقعية مدروسة وما كانت لتحد من انتشار وباء الجهل، بل زادت في تعقيد وضع التعلم لا سيما مع تراكم الاهمال وتفاقم المشكلات القديمة في التربية والتعليم طيلة عقود مضت، ولو وضعت الدولة كل ذلك في ميزان المستقبل سترجح كفته مقابل ألف وباء مثل وباء كورونا، غير ان كل من تصدى للحكم بعد 2003 لم يتصد بشكل جاد الى وضع وتطبيق الحلول الملائمة لإنقاذ المستقبل عبر اصلاح واقع التعلم والتعليم، بدليل فشل الحكومات المتتالية في تحقيق اهداف الستراتيجية الوطنية للتربية والتعليم بعد انقضاء عشر سنوات على تبنيها.
لم تتردد الدولة في اتخاذ كل ما يلزم لتوفير لقاحات فيروس كوفيد- 19 وأعدت توفيرها ضرورة ذات أولوية قصوى، واصدرت قرارات لازمة لمنع التجول واغلقت المولات ودور العرض والمطاعم، وخفضت الدوام في كل دوائرها الى الربع او النصف، على الرغم من الأضرار الاقتصادية الجسيمة الذي تولدها تلك الاجراءات؛ لكنها طبقتها بشكل طارئ لان آثار الضرر العام أكبر من الضرر الاقتصادي. غير انها في المقابل لم تتخذ أي اجراءات جادة تتناسب مع ضرر (فيروس الجهل) وتفشيه، والغريب انها ظلت متراخية حتى بعد ان تضرر بشكل بالغ تعلم ملايين الاطفال على مدار عامين دراسيين، انتقل خلالهما مليونا طفل من الصف الأول الابتدائي الى الصف الثاني بمقدار ضئيل وهزيل من التعلم.
وساعد في استرخاء المسؤولين وتعقد الامور صمت المجتمع ممثلا بأغلب الأسر، التي توهمت أن ابناءها وبناتها قد تلقوا تعليما كافيا حين نجاحهم، بل كانوا يطالبون الوزارة بتقليص المناهج والحصص وتبسيط الاختبارات أكثر بسبب جهلهم بعواقب ذلك على مستقبل ابنائهم وانعكاس ذلك على مستقبل البلاد، ناهيك عن موضوع المتابعة التي لم تكن ممكنة على وفق الطريقة التي اعتمدت في التعلم عن بعد؛ وظلت جودة التعليم من دون رقيب مرهونة بضمير المعلم وقدرته وجديته.
ولكي تحد الدولة من خطر ذلك وانعكاسه وتخفيف بعض آثاره عليها ان تضع خططا جادة تستقبل بها العام الدراسي المقبل مستفيدة من تجربة العامين الماضيين ولا تكرر الأخطاء نفسها الجسيمة، التي اتت على الاخضر واليابس وتركت جرحا بليغا في وجه المستقبل.
على الدولة أن تعرف أن توفير لقاح للجهل أصبح اليوم بالأهمية نفسها توفير لقاحات وباء كورونا ان لم يكن أكثر اهمية، وان عليها ان تتخذ اجراءات فورية حازمة لضبط ايقاع التربية والتعليم، وتوفير كل ما يجب توفيره من متطلبات تعيد للتعليم فاعليته وجودته.
عليها أن تنهض بقطاع التربية والتعليم وتوجه سياساتها الاقتصادية الكلية لتحقيق ذلك، وتوفير الكفاية اللازمة من الانفاق الحكومي لتمويله. 
فأشد ما نخشاه ان تضيع سنة دراسية ثالثة، وأن يتفشى الجهل أكثر بين اطفالنا الذين ضاع حقهم في التعليم وضاعت كل حقوقهم الأخرى وسط انشغال السياسيين بالتحضير لإعادة انتخابهم مرة أخرى من جديد، بدلا من انشغالهم بتوفير لقاح ضد الجهل.
رئيس المركز العراقي لثقافة الطفل