مسؤولية القضاء وتنفيذ الأحكام

آراء 2021/06/29
...

  القاضي زهير كاظم عبود 
الاتهامات التي طالت القضاء في وسائل التواصل الاجتماعي تاتي نتيجة قلة الوعي القانوني وضعف المعرفة بطرق التحقيق التي ينظمها قانون أصول المحاكمات الجزائية، ولهذا يطلق بعض المواطنين كلمة (المجرم) على المتهم، ويطالب البعض بانزال اقسى العقوبات قبل صدور قرار بالادانة، دون اي اعتبار لمبدأ ان المتهم بريء حتى تثبت ادانته، وان هذا المبدأ ملزم ومنصوص عليه في الدستور والقوانين.
القاضي ينبغي ألايتأثر بالمعلومات التي يتم نشرها او اذاعتها خارج نطاق القضية المعروضة امامه، ما يتم نشره للأسف يتخذ موقفا سياسيا في التطاحن بين الشخصيات والكتل والأحزاب، او لأغراض الانتقام والإساءة والموقف السلبي من البعض، او سرد معلومات واخبار ليس لها صلة بالواقعة او الجريمة دون ان يكلف نفسه للادلاء بالشهادة، او انها تأتي من أسماء غير حقيقية تتخذ من منصات التواصل ستارا وملاذا للتشهير والاتهام. 
القضايا التي يتم عرضها على القضاء منها ما تنكشف عن ادلته واضحة وجلية، ومنا ما تحمل معها بعض الأدلة، وفي مرحلة التحقيق الابتدائي يتعين على القاضي عملية التقدير، في حال وجود ادلة كافية للمحاكمة تتم إحالة القضية على المحكمة المختصة، وفي حال انه وجد الأدلة لا تكفي للإحالة على المحكمة، فانه يصدر قرارا بالإفراج عن المتهم ويغلق التحقيق مؤقتا مع بيان الأسباب، ولا يمكن لأي قاض أن يقوم بموازنة الأدلة حسب علمه الشخصي في القضية المعروضة امامه، ولا يستمد معلوماته من خلال منصات التواصل الاجتماعي 
مطلقا.
قاضي التحقيق يعتمد على ما تقدمه الأجهزة التحقيقية المختصة ما توصلت له بنتيجة التحقيق، مهمة قاضي التحقيق تنتهي عند إحالة المتهم على المحكمة المختصة لمحاكمة، او في حال اصدار قرار بالإفراج عن المتهم لعدم كفاية الأدلة للإحالة، وقراره في كل الأحوال خاضع للطعن بطريق التمييز من جهة قضائية أخرى لتدقيق صحتها وتطابقها مع القانون. 
هناك ادلة في كل قضية وهناك أيضا قرائن قانونية وقضائية، والدليل هو كل ما يؤكد حدوث أو عدم حدوث أمر ما، اما القرينة القانونية فهي تعني استنباط المشرع امرا غير ثابت من امر ثابت، اما القضائية فتعني استنباط القاضي امرا غير ثابت من امر ثابت في القضية المعروضة امامه.
متن قانون العقوبات واصول المحاكمات الجزائية وقانون الاثبات تباع في المكتبات وبأسعار زهيدة ويمكن لأي مواطن ان يقتنيها ويطالعها، ليتعرف على أصول التحقيق والمحاكمة وطرق الطعن وطرق الاثبات من دون اللجوء الى التشهير والطعن بالقضاء والقضاة دون معرفة او قصد، يمكن أن يجعله متهما بارتكاب ما يسيء ويجرح السلطة القضائية التي لا تستحق منا ذلك. 
قضاتنا بحاجة للدعم والملاذ المستقل الذي يمكن ان يكون دوره الوطني يعزز بناء دولة القانون، وإن لا سلطة فوق سلطة القانون، والمحاكم العراقية على اختلاف درجاتها تعمل من دون تستر او خفية، جميع قرارات قضاة التحقيق موجودة على الأوراق التحقيقية في كل ملف كل قضية، وجميع القرارات الصادرة عنن المحاكم بمختلف درجاتها تنشر ويمكن الاطلاع عليها، وان القاضي الذي يخضع ويتأثر بسلطة شخصية سياسية او حزب معين لا يخون اليمين التي حلفها عند تعيينه، والذي اداه عند تخرجه قاضيا او نائبا للمدعي العام انما يفرط بشرفه وكرامته، كل قاض ملزم ان يقضي بين الناس بالعدل ويقوم بتطبيق القوانين بأمانة، ولا سلطان عليه غير سلطة القانون.
تنتهي مهمة القضاء بصدور القرار القضائي واكتسابه الدرجة القطعية أما بتصديق المحكمة الأعلى على الحكم او لمضي المدة القانونية المقررة دون طعن من جهة ما، وبانتهاء واستنفاد طرق الطعن المقررة قانونا يعد الحكم باتا مكتسبا للدرجة القطعية، وبذلك يصبح الحكم قابلا وواجبا للتنفيذ، سواء كان حكما مدنيا أو جزائيا، وحتى نفصل بين البدء بالإجراءات والنطق بالحكم وبين تنفيذ تلك الأحكام، علينا ان نتعرف على الفاصل الأساسي بين مهمة القضاء ومسؤولية تنفيذ الأحكام القضائية التي قد تختلط عند البعض.
القضايا الجنائية التي يتم انجاز التحقيق الاولي والابتدائي فيها من قبل جهات تحقيقية مختصة تتم تحت اشراف قضاة التحقيق ووفقا لقراراتهم، وبعد أن يجد قاضي التحقيق بنتيجة تلك التحقيقات إن الأدلة التي توفرت في القضية كافية، لإحالة المتهم على المحكمة الجنائية المختصة بالفعل (جنحة أو جناية)، من دون ان تكون له مناقشة الادلة وكفايتها للحكم من عدمه، وتتحدد تلك المحكمة التي تحال عليها القضية التحقيقية وفقا للمادة القانونية التي تجدها محكمة التحقيق أنها تتناسب مع فعل المتهم وفقا لجسامة العقوبة او الفعل، فإن كانت من اختصاص محاكم الجنايات أحيلت على الجنايات وفقا للاختصاص المكاني المحدد، ووفقا للفصل الخاص بتطبيق القانون من حيث المكان في قانون العقوبات النافذ في العراق والمرقم 111 لسنة 69 المعدل، ووفقا لنص المادة 130/ ب من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971، أو أن المادة المنسوبة لفعل المتهم تشكل جنحة مما يوجب الإحالة على محاكم الجنح (الجزاء سابقا). 
وكثيرا ما نسمع الانتقادات الموجهة للقضاء حول عدم الاستعجال في تنفيذ الأحكام والعقوبات، وهي مهمة لا تخص القضاء ولا تقع ضمن دائرة مسؤوليته، وحتى نكون منصفين وعارفين لطبيعة العمل القضائي، فإن القضاء العراقي ليس له دخل في قضية سرعة تنفيذ الأحكام الباتة التي صدرت بحق المجرمين من الإرهابيين أو غيرهم من المدانين بارتكاب الأفعال الجرمية واكتسبت الدرجة القطعية، حيث إن القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ولايجوز لأي سلطة مهما كانت التدخل في القضاء او في شؤون العدالة، وتنفيذ الأحكام من مهمات السلطة التنفيذية حصرا، بما فيها الأحكام بالسجن أو تنفيذ احكام الإعدام. 
ويتم اصدار قرار الحكم بناء على ما توفر للمحكمة من قناعة بأن الأدلة التي توفرت في القضية كافية للإدانة وان المتهم ارتكب ما أتهم به فتصدر حكما بإدانته وبالعقوبة التي تفرضها عليه قانونا، بما يتناسب مع العقوبة المقررة في المادة القانونية، والنصوص التي سبق أن اشار لها قرار التجريم في التطبيقات القضائية من ظروف قضائية مخففة أو مشددة ترافق تطبيق العقوبة وتحديد مدتها وفقا لذلك، اما اذا وجدت المحكمة إن الادلة التي توفرت لا تكفي للإدانة فتصدر قرارا بإلغاء التهمة الموجهة للمتهم وتقرر الافراج عنه، أو إن المتهم بريء مما أتهم به اذا اقتنعت المحكمة إن المتهم لم يرتكب الفعل المتهم به، أو إن الفعل لا يقع تحت أي نص عقابي فتصدر حكما ببراءته من التهمة الموجهة اليه، أو انه غير مسؤول قانوناً فتصدر حكمها بعدم مسؤوليته مع اتخاذ التدابير التي ينص عليها القانون. 
مبادئ كثيرة يضعها القضاة أمامهم عند المباشرة بكتابة قرار الإدانة والحكم، فالمتهم بريء حتى تثبت أدانته، والشك يفسر لصالح المتهم، ولا يجوز للقاضي أن يحكم بعلمه الشخصي، ولا يجوز تأسيس الحكم على رأي خارج نطاق الهيئة القضائية، ويطبق القانون الأصلح للمتهم، والمطالبة بالحق المدني تتبع الحكم الجزائي، كما لا يصدر القاضي حكمه تحت تأثير العاطفة الشخصية أو الانفعال، ولا يحق للقاضي أن يكوّن رأيا ويعلنه قبل صدوره، وللقاضي الحرية الكاملة في تكوين الاعتقاد دون تدخل من أي جهة كانت.