ثورة العشرين في العراق.. من الثورة إلى الدولة

آراء 2021/06/30
...

   د. يحيى حسين زامل
 
تحتفظ الذاكرة العراقية الرسمية والشعبية بأحداث مهمة في ذاكرتها، وتشكل هذه الذاكرة محطة مهمة لانطلاق المجتمع في مسيرته بصورة عامة، تستذكرها في أي وقت بصفتها حركة تاريخية وثقافية يمكن استعادتها في أي وقت، وتعد الذاكرة أمراً حيوياً للتجارب الاجتماعية والثقافية وحتى الشخصية، فهي عملية الاحتفاظ بالمعلومات لمدة من الزمن لغرض التأثير على الأفعال المستقبلية، ومن هذه الأحداث المهمة والمترسخة في الذاكرة "ثورة العشرين"، التي حدثت في العراق، وكانت تأثيراتها المستقبلية مهمة، إذ عُدّت الإساس في الثورات اللاحقة في العراق فضلا عن تأسيس الدولة العراقية.  
     وبشأن ذات الموضوع يثير عالم الاجتماع الدكتور "علي الوردي" سؤالاً مهماً: لماذا تَحَمَّل العراقيون حكم الأتراك طيلة أربعة قرون، وقبله تحمل المغول والتتار، من دون أن يثوروا عليهم، بينما هم ثاروا على الحكم الإنجليزي بعد مضي سنتين أو ثلاث عليه، هذا مع العلم أن الحكم التركي وما قبله كان أكثر ظلماً وتفسخاً من الحكم الإنجليزي؟، ويجيب "الوردي" عن هذا السؤال التقريري بربط ثورة العشرين بالثورة الفرنسية، وأن سبب نشوبهما ليس هو الظلم وحده، فقد تعرض المجتمعان لظلم أكثر من الحكم الحالي، ولكن السبب هو "الوعي الثوري"، الذي نتج من خلال بعض الشخصيات المهمة من طراز "مونتيسكو" و"جان جاك روسو" ، و"فولتير" و"ديدرو"، وكان دأبهم ايقاظ الشعب وتعليمه افكاراً ثورية تحاول استعادة الحقوق والحريات المسلوبة.  
    ويضيف "الوردي" ويمكن القول إن هناك تشابهاً كبيراً بين "الثورة الفرنسية" و"ثورة العشرين" من حيث أثر "الوعي الثوري" في نشوبها، فقد اجتمعت في عهد الاحتلال الانجليزي في العراق عدِّة عوامل من شأنها تنبيه الأذهان وتحفيز الشعب على الثورة، من قبل رجال الدين، المتمثل بالميرزا محمد تقي الشيرازي، والذي أفتى بالثورة على الاحتلال الانجليزي، وظهور حركة المجاهدين، وظهور نشاط "الأفندية" وهم النخبة المتعلمة من تركة الاحتلال التركي الذين كانون يبثون الوعي في أوساط طبقات العامة والثورة على الانجليز، وكذلك ظهور نسبة كبيرة من شيوخ العشائر الذين تعرضوا للظلم من قبل الاحتلال الانجليزي فثاروا عليه، من أمثال شعلان أبو الجون، والشيخ ضاري، وغيرهم كثير، فكانت هذه الفئات الثلاث هم السبب الرئيس فضلا عن اسباب أخرى، مثل قيام الثورة العربية في الحجاز عام 1916، بقيادة الشريف حسين، وقيام الثورة البلشفية في العام 1917، في روسيا.
    ومن الواضح الجلي أن "ثورة العشرين" كانت السبب الرئيس في قيام الدولة العراقية، فبعد أن كان العراق عدِّة ولايات متناثرة في الشمال والوسط والجنوب والغرب، أصبح له كيان ووجود رسمي، وتقرر ذلك بعد أن عُقد مؤتمر القاهرة عام 1920 على أثر ثورة العشرين في العراق ضد الاحتلال الإنجليزي وضد سياسة تهنيد العراق، إذ رضخ المندوب السامي البريطاني "بيرسي كوكس" إلى تشكيل حكومة وطنية عراقية انتقالية برئاسة الأمير فيصل بن الشريف حسين ملكاً على العراق، في 23 /آب/ 1921م، بعد إجراء استفتاء شعبي كانت نتيجته مؤيدة للملك فيصل الأول.