حول مفهوم الثورة

آراء 2021/07/01
...

 د علي المرهج
الثورة فعل أو عمل قصدي وإن كانت بعض عواملها لا شعورية بحسب تعبير (كارل مانهايم)، ولكنها توحي للعقل بفكرة التغيير الشديد والانفصال عن الماضي، وتغيير التقاليد السائدة تغييراً كلياً، وخلق وايجاد نظام جديد للحياة.
وهنا ستكون تظاهرات تشرين انتفاضة وليست ثورة بالقياس لما سبق.
قد تشترك مفاهيم مثل الانتفاضة والتظاهرة والوثبة والاحتجاج مع مفهوم الثورة، لأنها تشترك في الأسباب وتختلف في النتائج.
هناك عوامل اجتماعية ونفسية واقتصادية وسياسية، مصدرها الظلم والتغييب لدور الجماعات الفقيرة وعدم الاهتمام بها وتحسين أحوالها، وهذه كلها عوامل تساعد في نشوب الحراك الجماهيري، الذي قد يكون احتجاجاً أو تظاهرات مطلبية، أو انتفاضة رافضة لسياسة الحكومة، وقد تصل لتحقيق مراميها في التعبير عن رفض نظام الحكم برمته وشكل النظام السياسي وحينذاك تكون ثورة قد تحققت، ولكن كل المظاهر المعبرة عن الرفض وفق كل المفاهيم التي ذكرناها لن تصل لمبتغاها وتكون ثورة من دون وجود نظرية ثورية، كما يذهب لذلك الماركسيون وفي مقدمتهم (لينين)، ولن يصل الثوريون لانجاز ثورتهم من دون وجود قادة (انتلجسيا) تُساعدهم في فهم الطريق الموصلة للقضاء على النظام السائد وانتاج نظام جديد يكون هو النظام القائد.
لا وجود لحراك جماهيري بقصد رفض نظام الحكم يخلو من الحلم والرؤية الطوباوية، التي تجد في الجماهير هي القادرة على الانتصار مهما تجبر الطغاة وأتباعهم على قاعدة "الجماهير أقوى من الطغاة" وهذا شعار يصلح للذين يعيشون حلم القدرة على التغيير، لأن الجماهير في ظروف أخرى قد تخنع، وقد تكون هي الصانعة للطغاة.
كل انتفاضة تخلو من قائد يكون هو "الكاريزما" الذي تجد فيه الجماهير المنقذ لها، إنما ستخبو ولو بعد حين، فكل انتفاضة هي ثورة لم تكتمل بعد، وكل ثورة تحتاج لموجه له تحتكم له وتأتمر بأمره، وقل انها "الزعامة التاريخية" وقل بفكرة البطل، أو "السوبرمان"، وهي نظرية لم تسقط ولن تسقط، لأن الحياة تشهد بوجود مصلحين وعظماء غيروا مسار التاريخ والعلم والسياسة والاقتصاد والفن بكل تنوعاته.
لنقل هناك أفراد موهوبون غيروا مسار أمم، وهذا أمر حاصل، وقد يتحول هؤلاء إلى طغاة في السياسة، هذا أمر يحصل، وكل العباقرة في كل مجالات الإبداع إنما هم يخلقون مدارس إبداع، إلا الساسة (الطغاة) ورجال الدين (الوعاظ) إنما هم يخلقون مجتمعاً متخلفاً (نكوصياً).
لا يمنع قولنا هذا من وجود ساسة غيروا تاريخ أمة، مثل غاندي ولنكولن ونلسين مانديلا وغيرهم، أو رجال دين أصلحوا أمر أمتهم بعد وهن أصابها، مثل مارتن لوثر وأرازموس والأفغاني والكواكبي ومحمد اقبال والشريف الايجاه محمد ومالكولم أكس وباقر الصدر وغيرهم.
تختلف معهم او تتفق، ولكنك لا يمكن أن تقول إنهم لم يكونوا قادة مؤثرين في التغيير الاجتماعي.
لا شك أن لوسائل التواصل الاجتماعي وثورة "الانفوميديا" أو (الثورة المعلوماتية) أثرها الكبير في الاحتجاج والانتفاضة، أو ما أسماه د.حاتم الكعبي في كتابه "علم اجتماع الثورة": "الاحتكاك الحضاري" بالنظر إلى تقدم وانتشار وسائل التواصل والتغيير الاجتماعي، وفي زمنه كان النقل والمواصلات، والآن نحن نعيش زمن "القرية الكونية" التي تحكمنا في وسيلة مثل "الموبايل" نؤثر فيه ونتأثر في التو واللحظة مع العالم وفي العالم!.
لقد تحدث (وليم أوغبورن) الذي تأثر به علي الوردي وحاتم الكعبي عما أسماه "التخلف الاجتماعي"، الذي وجد فيه أنه سبب أساس من أسباب "الثورة" لشعور المجتمع المتخلف بـ "الفجوة الثقافية" والاجتماعية بينه وبين المجتمعات المتقدمة، وكلما اتسعت هذه الفجوة، كلما زاد الشقاق في المجتمع ليؤدي الأمر إلى تسريع "الثغرة" وحدوث الثورة.