الخيمة ومواعيد كانت

آراء 2021/07/01
...

  حارث رسمي الهيتي
 
ثمة أحداث تصيبنا بالحرج، حتى وإن لم نكن نحن أطرافاً بصناعتها وإخراجها بشكلها المحرج، اللهم الا وجودنا كبشر، هذا الوجود الذي تزداد الحاجة الى ضرورة إجراء المراجعة له وتقييمه والنظر اليه من زاويا جديدة. على المستوى الشخصي كثيرة هي الأحداث التي وضعتني في هذه الدائرة. فيوم علق جثمان الشهيد مصطفى العذاري على أحد جسور مدينة الفلوجة صعقت، والحيرة تفرض نفسها بوصفها سجاناً لا يترك مهرباً ما، هل تكتب عن ضرورة وجود العذاري ورفاقه وأهمية ما يفعلونه، ام تسخّر كل ما باستطاعتك لتكتب عن قاتليه، عن إجرامهم وإرهابهم وأطنان الفتاوى التي تقف خلفهم وتحرّكهم، وإن كتبت من سيقرأ لك ويناقشك؟ اللحظات نفسها تلك كادت أن تقلتني يوم كنت أشاهد الآلاف من النساء والأطفال وهم يقفون على جسر بزيبز، هذا المعّبر الذي كان بيوم من الايام حلما راود الهاربين من زمهرير عصابات داعش الارهابية في أن يعبره، مرضى وخائفون وملاحقون عاشوا أياماً من الذل والاستغلال والابتزاز والسمسرة. بعضهم عاد الى بيته وهو يعرف بأن داعش ستنال منه اليوم أو غداً، إلا انه فضّل ذلك على وقوفه هناك. 
منذ أيام وأنا أفكر في هذه المواجع، ما حركها ودفعتها للعودة الى طاولة التفكير هذه المرة هي والدة ايهاب الوزني، الناشط الذي أغتيل في آيار الماضي، هذه الشيبة التي حاصرتنا بالأسئلة، أم ايهاب التي حملت خيمتها وصورة ابنها وقررت الاعتصام لتطالب بدم ولدها. أقدمت على فعل كهذا وهي تنوي ليس محاصرة رجولتنا في زاوية لا نتمناها فحسب، بل هي تحاصر انسانيتنا بهذا الفعل، انسانيتنا التي بتنا نفقدها شيئاً فشيئاً. وكأنها تنذر باقتراب نهايتنا كبشر ايضاً. 
في بلدة كونغسبيرغ عاش ايمانويل كانت آخر فلاسفة عصر التنوير، وكان سكان البلدة هذه يضبطون مواعيدهم واوقاتهم على تحركاته التي كانت منتظمة الى حد عجيب، وعندما سمع بنبأ اقتحام الباستيل هذا السجن، الذي كان يعد رمزاً لخنق اصوات المعارضين قام بتأخير نزهته اليومية، فعلم سكان كونغسبيرغ بأن حدثاً مهماً قد وقع، حدث من المحتمل ان يهز العالم والا ما الذي دفع بكانت أن يؤخر نزهته؟!.