سياسات المناخ ستعيد الى أوبك نفوذها

آراء 2021/07/03
...


  إيلين آر والد وجوناثان أتش فيرزايغر
  ترجمة وإعداد: أنيس الصفار 
وعد الرئيس الأميركي {جو بايدن} بأن يكون الهدف للعام 2050 هو تحقيق مستوى انبعاثات مقداره صفراً من غاز الكاربون للإبطاء من وتائر ارتفاع درجات الحرارة عالمياً. في الوقت نفسه يرغم المساهمون الناشطون شركة {إكسون موبيل} على تبني طاقتي الشمس والرياح، بينما ترى المملكة السعودية مستقبلا مشرقاً ينتظر صناعتها الاولى..أي ضخ النفط. ففي الأول من حزيران علق وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان قائلا: “دع الاخرين يستغرقون في خيالهم بأن بدائل الوقود قادرة على الغاء الحاجة للاستثمار في التجهيز النفطي».
الأمير عبد العزيز ليس الوحيد الذي يحذّر من ان الضغوط التي تبذل لهجر الوقود الاحفوري سابقة لأوانها. فبينما شركات النفط الأميركية والأوروبية الكبرى وغيرها من شركات الطاقة منشغلة بتصفية اصولها تنفيذاً لمقررات نزع الكاربون، يستمر الطلب العالمي على الوقود الاحفوري بالارتفاع، لاسيما في الصين والهند وهما البلدان الأكثر كثافة سكانية في العالم، وهذا يبقي الأبواب مشرعة امام شركات النفط الوطنية، مثل آرامكو السعودية، لاستعادة قوتها في السوق وتحقيق أرباح وفيرة وإعادة تسليم دفة انتاج النفط والغاز لأوبك.
يؤشر هذا الى احتمال نشوب ازمة طاقة جديدة في الغرب. ففي الولايات المتحدة يبدو أن أيام انتعاش ثورة النفط الصخري قد ولت، وشركات استخراج النفط الصخري معنية الآن بسداد ديونها اكثر منها بحفر آبار جديدة. هذه الشركات الان تتخوف من انفاق اموالها بعد أن جمدت ادارة بايدن تراخيص حفر الابار على الاراضي الفدرالية، وكانت نتيجة ذلك هي عودة الولايات المتحدة الى كونها مستورداً بحتاً للبترول، بما في ذلك منتجات النفط الخام مثل بنزين السيارات، بعد ان كانت في العام 2020 مصدّراً بحتاً. يلاحظ أن اسعار النفط والبنزين اليوم في أعلى مستوى لها منذ ست سنوات.
فور توليه المنصب جعل بايدن من خفض استعمال الوقود الاحفوري أولوية معلنة لإدارته، كما اوجد منصباً خاصاً هو {مبعوث المناخ} واسنده الى وزير الخارجية السابق {جون كيري}، وتعهد بالسعي لبلوغ {الانبعاث صفر} بحلول العام 2050، وهو هدف تشاركه فيه نحو 60 دولة اخرى في العالم. لكن العواقب ستكون وخيمة لأنها تؤشر بدايات العودة الى حقبة كانت الدول الخليجية فيها هي اللاعب المسيطر على سوق النفط عندما ادى ارتفاع الاسعار الى تردي اقتصادات الدول الى مهاوي الركود.
تنبه المستثمرون الى ما يحدث، وفي اواخر كانون الثاني حذرت ادارة شركة {بلاك روك}، وهي اكبر ادارة للأصول المالية في العالم، جميع الشركات التي تستثمر اموالها فيها بضرورة الاعلان عن ستراتيجياتها بعيدة الأمد في ما يتعلق بالانبعاثات صفر. كذلك أفاد تقرير لوكالة الطاقة الدولية بأن الاستثمارات الجديدة في مجال انتاج النفط والغاز سينبغي ايقافها اذا ما سارت الحملة العالمية طبقاً لجدولها المقرر بشأن الانبعاثات صفر، في الوقت نفسه تنبأ التقرير بتوسع الحاجة الى الوقود الكاربوني بمختلف انواعها خلال العقدين المقبلين.
انتقادات الأمير عبد العزيز اللاذعة كررها {إيغور سيجن} المدير التنفيذي لشركة {روزنفت} اكبر منتج روسي للنفط حيث قال إن العالم يجازف بمواجهة نقص حاد في النفط والغاز إذا ما اوقفت الاستثمارات في مجال الانتاج.كذلك حذر من حصر التركيز بشكل أساسي بمصادر الطاقة البديلة.
شركات النفط المملوكة لدول {أوبك زائد} قد تكون الوحيدة القادرة على مقاومة الضغوط الداعية لخفض انتاج الوقود الاحفوري. هؤلاء المنتجون يحتلون ايضاً موقعاً جيداً يمكنهم من جني الارباح جراء عزوف الغرب عن أنواع الوقود الاحفوري، بل ان ستراتيجيتهم تقوم على الاستثمار بشكل رئيس في انتاج النفط والغاز كما كانوا يفعلون، ولو انهم اخذوا يوجهون بعض رؤوس الاموال ايضاً نحو مشاريع الطاقة المتجددة والترويج لمفاهيم مثل {الهايدروجين الاخضر} و{الأمونيا الزرقاء}.
الى جانب النفط ربطت المملكة السعودية مؤخراً اول منشأة كهربائية شمسية لها {بطاقة 300 ميغاواط} بشبكتها الوطنية، وهناك مشاريع طموحة اخرى قيد التخطيط. إلا ان شركة أرامكو في الواقع هي من يبقي أجهزة التكييف تدور في قيظ الرياض الذي يتعدى 43 درجة مئوية بما تنتجه من النفط والغاز الطبيعي. على غرار ذلك تستثمر اكبر شركات النفط في العالم مليارات الدولارات لرفع حدود انتاجها القصوى من الخام من 12 مليونا الى 13 مليون برميل يومياً. اهتمام أرامكو بخفض وطأة الكربون والأبحاث التي تجريها في مجال احتجاز الكربون يفوق اهتمامها بالتخلي جدياً عن الوقود الاحفوري. اندفاعة أرامكو في ميدان التكنولوجيا النظيفة والمتجددة لا تزال في بداياتها حيث رصد مبلغ 500 مليون دولار كصندوق رأسمال استثماري لتكنولوجيا الطاقة المتجددة والاستخدام الكفوء، رغم هذا لدى الشركة اعتقاد راسخ بأن الوقود الاحفوري سيبقى ضرورياً لأمد اطول كثيراً مما تتصور شركات اخرى مثل {بي بي} و”شيل”. كما ان تكاليف الانتاج المنخفضة ستمكن أرامكو من رفع ارباحها من الوقود الاحفوري الى اقصى الحدود وخلال ذلك لا ضير من الاستمرار في تجاربها بلا عجل في مجال التكنولوجيا النظيفة والمتجددة دون خوف من التعرض لأية مجازفات مالية فعلية.
في الامارات العربية ايضاً تخصص شركة بترول ابو ظبي الوطنية “أدنوك” قسطاً من نشاطها لمجال الطاقة المتجددة اعظم مما تخصصه أرامكو، لكنها رغم هذا تواصل مضاعفة العمل في الوقود الاحفوري. ففي شهر تشرين الثاني 2020 تعهدت أدنوك باستثمار 122 مليار دولار خلال فترة خمس سنوات لرفع مستويات انتاجها من النفط والغاز، وفي الوقت نفسه تعهدت بخفض الانبعاثات بنسبة 25 بالمئة مع حلول العام 2030.
إذا كانت الاقتصادات الغربية تأمل بالمحافظة على مستوياتها المعيشية، وإذا ما نجح العالم الثالث اخيراً في التخلص من عجز الطاقة المستشري، فإن النفط والغاز سيبقيان لعقود مقبلة جزءاً أساسياً من خليط الطاقة العالمي. أما التظاهر بأن العالم يستطيع العيش برفاه من دون الوقود الاحفوري فإنه سيأتي على حساب مصالح الدول والشركات والشعوب الأكثر جدية في تبني هذه السياسات. السعي الى انبعاثات مقدارها صفر بحلول العام 2050 هدف يستحق السعي اليه، ولكنه ينطوي على مجازفة وضع الاقتصادات الغربية والبلدان النامية تحت رحمة منتجي النفط الكبار.
عن مجلة «فورن بولسي»