الفدرلة وتسييس التّنوع

العراق 2019/02/19
...

حسين العادلي
 
 • المجتمع التعددي هو المجتمع المتنوع قومياً دينياً طائفياً إثنياً، والمجتمع الفدرالي هو مجتمع المكوّنات السيادية الناتج عن مجموع المجتمعيات الدينية العرقية الطائفية الإثنية التي تشكّل الدولة. فعندما نقر بالتعددية المجتمعية على أساس من كونها تعددية مكوّنات ونعطي لكل مكوّن اعترافاً سيادياً فهذا يعني أننا أوجدنا مجتمعاً فدرالياً يتألف من مجموع مكوّناته. فهو مجتمع المجتمعيات السيادية التي تمازج بين الهوية (دينية، عرقية، ثقافية) والأرض والسلطة لتشكّل وحدات سياسية سيادية في الدولة.
• الفدرلة ضرورة يوجبها المجتمع التعددي بحسب عُرف الديمقراطية التوافقية (ديمقراطية المكوّنات)، فمكوّنات المجتمع غير المتجانس تتطلب نظاماً سياسياً فدرالياً يحقق التوازن والمصلحة بين مجتمعياته/ مكوّناته، وهذا لا يتم إلاّ بتوزيع الاعتراف والسلطة والثروة بين عدد المكوّنات المجتمعية من خلال نظام فدرالي تشارك بصياغته وإدارته مكوّنات الدولة كافة. وهنا مكمن المفارقة، فالديمقراطية التوافقية تُخرج التنوع من حيّزه المجتمعي الطبيعي لتؤدلجه وتمنحه بعداً سياسياً سيادياً. وهي بذلك تسوّق أكذوبة، إذ يستلزم الإيمان بها جعل دول العالم كافة دولاً فدرالية ما دامت تعيش التنوع العرقي الديني المذهبي الإثني. والحقيقة تقول: إنَّ الدولة الصافية أكذوبة، فعدد دول العالم 197 دولة يعيش فيها عشرات الآلاف من الديانات والقوميات والطوائف والإثنيات، فالتنوع ظاهرة مجتمعية طبيعية لا تخلو منها دولة، وكل مجتمع دولة يشتمل بداخله على مجتمعيات متنوعة في هوياتها، والدولة هي الحيّزالسياسي القانوني المشترك للمجتمعيات الضامن لخصوصياتها والمحقق لمصالحها على أساس من اعتبار أفرادها (مواطنيها) وحدات سياسية قانونية تامّة بغض النظر عن انتمائهم المجتمعي الهوياتي الفرعي،.. يتمتعون بعضوية مواطنة كاملة تضمن حقوقهم المدنية والسياسية والمصالحية دونما تمييز أو اقصاء.
• فدرلة الدولة بحجة التنوع قد يقود إلى التفكك الأميبي، إذ لا يمكن التنبؤ بمديات تشظي الوحدات الفدرالية الممثِلة لمكوّن(عرقي طائفي إثني) إذا ما عُد التنوع بذاته هو الموجب للنظام الفدرالي، فربما تقوم فدرالية عرقية، إلاّ أنَّ تنوع هذه الفدرالية دينياً أو مذهبياً قد يشظيها من الداخل، وهكذا دواليك. أيضاً، فإنَّ تكوين وحدات سيادية على أساس من التنوع المجتمعي سيعطي شرعية التأسيس لكل هوية (ثقافية أو مناطقية) ترى تمايزاً بينها وبين الهويات الأخرى داخل الفدرالية الواحدة. كذلك، لا يمكن التنبؤ بمديات الاندفاع الذي يمنحه الاستقلال شبه التام لمكوّنات الدولة، وتنامي الرغبة بالاستقلال التام هو شعور طبيعي يتنامى مع تضارب المصالح وصعوبة إدارة الحكم الذي تنتجه صيغة الحكم الفدرالي القائم على تمايز ونشوز الهويات.
• عراقياً قبل 2003م احتكر البعث/صدام جوهر سلطات الدولة بهوية عرقية طائفية واحدة على حساب باقي الهويات المجتمعية، فخلق نظاماً قامعاً للتّنوع، فأدّى لاضطهاد وصراع الهويات المجتمعية، فحطّم وحدة الأمّة وخلق دولة السلطة المغتربة القامعة. وبعد 2003م أعطت قوى العملية السياسية (خلافاً للدستور) بعداً سيادياً للتّنوع المجتمعي واعتمدت نظام المكوّنات لإدارة الحكم، فشظت الأمّة والدولة كهوية ونظام ومصالح.
• عدم الاعتراف بالتنوع محرّم، واعتبار الدولة تكدس هويات متناشزة خطيئة، والذهاب بالتنوع بعيداً لتسييسه يشرذم الدولة،.. والمطلوب إدارة التنوع المجتمعي على أساس من المواطنة التامّة والتعددية الشاملة والمصالح المشتركة والهوية الوطنية الجامعة، بعيداً عن السياسات الشوفينية أوالعرقطائفية.