ريسان الخزعلي
يحصل أحياناً الخلط بين مفهومي التمييز والانحياز في التداولات الشفاهية والاعلامية عند بعض أفراد المجتمع عند مواجهة حالة ما، يتبناها صاحب القرار من خلال وضع تشريعات أو أنظمة وقوانين لها علاقة بحياة الأفراد في مجتمعهم .
إنَّ التمييز في بُعده الإيجابي يعني وضع صيَغ اختيار معقولة وعادلة وفق مقاييس موضوعية عند الاختيار، لإشباع أيّة حاجة يتطلبها المجتمع بعيداً عن أي شرط غير شرط الحاجة وما تتطلبه من مؤهلات وإمكانات . وللتوضيح بأمثلة، يمكن أن نُشير إلى حُكم العمر في حق التصويت الانتخابي والقبول في المدارس الأوليّة، إذ إنَّ شرط العمر يُعد تمييزا معقولاً، أو استخدام مقياس درجة النجاح والذكاء في القبول الجامعي، أو تحديد ساعات وظروف العمل في المصانع للصغار والنساء بإسلوب يختلف عن ظروف وساعات عمل الكبار، أو تشريع قوانين ملكية الأراضي للمواطن الذي يُقيم على أرضه بطريقة تختلف عن الأجنبي، أو ضمان حقوق الأقلية ومصالحها أمام هيمنة الأكثريّة، وغيرها من الأمثلة.
إنَّ تمييزا كهذا، لا يُعد خللاً في حالة تشريع قوانينه وأنظمته وتطبيقها، وبخاصة عندما يكون وفق المقاسات الموضوعية البعيدة عن أيّة غرضية. وبذلك يكون الاختلاف واضحاً بين التمييز والإنحياز، إذ إنَّ الانحياز لا يولي أيَّ اعتبار لمفاهيم المقاسات الموضوعية التي تأخذ الحاجة واشتراطاتها وظروفها بعين الاعتبار، بل يتم هذا الانحياز بدوافع متعددة: مناطقية، عشائرية، قومية، طائفية، حزبية، دينية، قرابيّة (من قُربى)، مصلحيّة، وغيرها من الدوافع التي لا تأخذ في الاعتبار حق المواطنة، والمؤهلات،والكفاءة، وتكافؤ الفرص، وتوفير مساحة المشاركة في العمل والبناء للجميع. من هنا سيكون للانحياز دور ملموس جداً في تشتيت التماسك الإجتماعي وخلق التناحرات المجتمعية، التي لا تفضي إلى بناء الإنسان ولا إلى بناء مجتمع يطمح أفراده بالعدالة التي تضمن حياة أرقى ووجوداً أبقى وإنسان أرقى.
وفي المفتتح الأخير، لا بد من التمييز الإيجابي بعيداً عن الإنحياز وسلبياته القاتلة، كي نضمن الحياة والمستقبل لشعبنا العظيم.