حياة بلا أصفاد

ثقافة 2021/07/07
...

طالب عبد العزيز

هناك حياةٌ ضاجّةٌ، مليئةٌ بالجمال والقبح، بالوقائع المختلفة والمصادفات. حياة على درجة من الاهمية الثقافية والسياسيّة، نجدها في معظم ما نقرؤه مترجماً، وفي كتب السير والمذكرات بخاصة، لأدباء ومثقفي العالم. علاقاتٌ عاطفية مثيرة، وزيجاتٌ ناجحة، ومثلها فاشلة، قصص حبٍّ عارمة، ومثلها مفارِقة ومدمّرة، رحلات عبر البحر الى المجاهيل، وأسفار الى أصقاع مختلفة، أُطْلِعنا من خلالها على نتاج غنيٍّ، ترك بيننا أثراً عميقاً في الفكر والفلسفة والادب، هو حصيلة الحياة الاستثنائية تلك، التي جاب أصحابُها المدن الكثيرة، واحتفطت به المكتبات، كُتبَ بعضُه في حانات ومقاهٍ وحدائق عامة، ثم جمع كمحاضرات في الجامعة هذه او تلك، وقرئ على منصات ملونة، ثم أمسى كتباً بقيمة عليا، حصد كاتبوها الجوائز، فهي اليوم مآثر خالدة في الثقافة والفكر الانسانيين. 
لعلنا نسأل السؤال التقليدي: أينَ نحنُ من ذلك كله؟، فيأتي الجواب: وهل نملكُ حياةً كحياتهم؟، وهل كانت مجتمعاتُنا ومؤسساتُنا الثقافية والعلمية قادرة على صنع مفاخر حياتية كتلك؟، سنكون قد ألزمنا أنفسنا الجواب التقليدي: لا. وهذا يقودنا الى الحديث في الاسباب التي تجعل من نتاج الكاتب والشاعر والفنان والمفكر العربي أقلَّ شأناً، ومحدود التداول، أو معزوفاً عنه تماماً. لاحظنا ذلك في معارض الكتب، التي تقام في العواصم العربية، وفي إقبال القارئ على الكتاب المترجم، وإحجامه عن شراء الكتب المحلية- باستثناءات قليلة- هل نقول بأن حياة المثقف العربي التقليدية، المقننة جداً، الخالية من الوقائع الكبيرة والمصادفات لا تنتج أدباً حقيقياً؟. 
أو، هل استطاع كاتبُنا تسويق مادته بوصفها استثناءً جديراً بعناية القارئ، الذي يبحث في الكتب عن المدهش والمفارِق؟، القارئ الباحث عن توازنه في عالم مضطرب، الذي يفهم الثقافة بوصفها مفصلاً وجودياً في تكوينه، ومنعطفه الحياتي، ألا يستدعي الامرُ بأنْ ننظر الى الثقافة كما لو أنها طوق نجاة أخير...؟ 
 هناك، من لا يعتقد بذلك، بكل تأكيد، لكنْ، ما نحن عليه اليوم من الاحتراب والنكوص إنما هو نتيجة حتمية لإهمال الثقافي في حياتنا. وفي جانب من الفهم نقول: ما لم تكن هناك فكرة جديدة، وأسلوبٌ جديد، ولغة مدهشة، ليس هناك كتاب ذو أهمية. ولا وجود لأدب حقيقي، جاذب ومؤثر. وقولنا بأنَّ إنساننا بعامة مأزومٌ هو قول صحيح، وتأكيدنا على أنَّ الثقافة تسهم بكثير من الحلول بحاجة الى موقف مؤسساتي فاعل، فالعلاقة بين منتج الثقافة ومستلمها تستدعي من يضع الاطر العامة وينفذ الخطط. 
وكل تأخير في ذلك سيكون كارثياً. الحرية عظمة جسد الحياة. ومن ينبوعها يستقي الانسان (منتجاً ومستلماً) مادته التي منها الشعر والرواية واللوحة والقطعة الموسيقية والاغنية. حياتنا بأصفاد لا تحصى، ما نقرؤه من هناك نتاج حياة
بلا أصفاد.