لماذا الانتقاص من الرواية العراقية؟

ثقافة 2021/07/11
...

  علي لفتة سعيد
 
كثر الحديث عن الرواية العراقية مثلما كثرت محاولات تصنيفها وزادت معها حدّة الهجوم على كتابها والتندّر بنقادها إن قال رأيا حتى لو كان مخالفًا أو فيه قسوة مبرّرة وغير مبرّرة، لكنه على الأقل رأي ربما في طرحه القاسي يمكن الإجابة لإضاءة الجمال.. وهذه الآراء التي طرحتها عدد من المقالات لهذا الناقد أو ذاك مثلما صارت هناك استطلاعات رأي للأدباء، فضلا عن مقالات وآراء شخصية لهذا الروائي أو ذاك، وجميعها تحاول الإجابة على سؤالٍ واحدٍ ربما يتشعّب قليلًا لكنه ينحصر في تلك البقعة (هل هناك خراب في الرواية العراقية وإن ليس لها ملامح وكتابها غير واعين لما يكتبون؟).
إن أصحاب هذا الراي ينظرون الى الأمر بعين واحدة لها اتجاه واحد في النظر المسبق الذي مفاده بأن لا شيء محليا صحيحا وإن مسافة شاسعة وبوناً أكثر شساعة بين الرواية العراقية والعالمية وحتى العربية منها.. حتى ضارت هذه المقولات ما تشبه الأعمدة اليومية أو برامج الفضائيات، التي تتشابه في تناولها للشؤون المحلية.
ولكن على الجهة الأخرى من ضفة القول، لا يعني الحديث عن عدم وجود رواية عراقية ان هناك استهانة بها، مثلما لا يعد قولاً مقبولاً في تسارع التقنيات التي تحاصر الكاتب ذاته، لأنه أي المنتج الروائي لا يكتب له أو للنقاد فقط، بل للمتلقّين المحاصرين بكلّ التقنيات الحديثة التي وصلت الى تحوّل العالم الى مربّعٍ متري واحد أو أقل بذلك بكثير إذا ما كان تواجده أمام (اللابتوب) وأقل أيضا إذا كان جهاز الهاتف النقّال بين أصابعه الخمسة.. وهذا المتلقّي بحاجةٍ الى من يعيده الى واقعه ليهدأ من لهاثه اليومي، ولن يجده إلّا من خلال الأدب والرواية تحديداً، كونها قد سحبت البساط من جميع الأجناس الأدبية الأخرى، لأن فيها ما يجعل عقل المتلقّي منفتحًا على تقبّل الخيال الذي يضيف له واقعًا جديدًا لم يره، ولم يطّلع عليه أو إنه قادرٌ على التفاعل معه والحديث مع نفسه والتفكير المستمر أن ما يقرأه هو العالم الفنّي الذي يبحث عنه، خاصّة مع تراجع السينما إنتاجاً وأماكن عرض في العراق مثلا وحتى العالم العربي. 
لذا فمن الطبيعي أن يكون المنتج/ الروائي هو واحدٌ من المتلقّين ايضا يقع في خضم هذه المعتركات ويتأثر بها لأنه لا ينوجد لذاته، ويكون في منطقة علوية لا يكون فيها مع الجمع والجميع وهو بذلك كائنٌ متأثرٌ بما حوله.
إن الرأي الذي يؤكد خراب الرواية وإن لا تأريخ لها قاسٍ جدا لأن الرواية ليس مسكنًا للإيجار، لكي يتم التعامل معها على عدد الذين يسكنون فيها، ولا هي بسوق بازار يمكن أن يختار أيّ واحدٍ ما يمكن يراه نيابة عن المنتج، بل هي عالمٌ رحبٌ ربما هي الأكثر تعقيداً عن كلّ الأجناس الأدبية الأخرى بما فيها الفن 
الصعب. 
إن الحكم القاسي لا يعني إنه غير مبرّر ولكنه قابل للنقاش والرد عليه بروحٍ روائية ونقدية ايضا.. وإن مقولة (إن الخراب الذي يعم أو كاد معظم النتاج الروائي العراقي الراهن الذي يتمثل، من بين مظاهر عديدة، بالإنشائية والسطحية والتبسيط الذي في غير موضعه والتسرع والإسفاف والترهل والعبث والاستخفاف بحرفة الأدب وتعمد تجهيل القارئ والحط من شأنه) هو قول لا يكون صحيحًا ولا يكون خطأ.. لكنه يجانب الصواب، وهو يأتي دائما من قلّة قليلة كأنهم من صحابة التجديد الذين لا يعرف من هم ولا كم عددهم.. وأيضا كونه رأيا غير مبني على اطّلاعٍ كامل للمنتج الروائي؟ هذا السؤال يعيدنا الى الجملة القاسية التي تحمل صحة ولادتها.. إن كان هناك خرابٌ لكلّ هذا النتاج الروائي، فالمسؤولية تقع على عاتق النقاد كونهم أسّسوا وساعدوا على طفح الخراب قبل غيرهم، لأنهم كتبوا الاف المقالات ومئات الكتب النقدية عن الرواية العراقية.. وقد قرأنا روايات تسهم في الخراب وهي لأسماء كبيرة يجمّلها النقد.. من جهة أخرى فان ما طرح من قبل البعض الذي يطرحون آراء حادّة بالضد من كلّ ما هو إبداعي ومساواته مع كل ما هو سيّئ على قلّته أو كثرته فهو رأي يحتاج إلى توقف من عديد النواحي أولها انها أراء نقدية عامة لم تطّلع على نسبةٍ كبيرة من النتائج الروائي.. وثانيها انه رأي يحتكم الشعور بالنقص من أدب الأخرين وتحجيم الأدب المحلي والروائي خصوصا.. وثالها إنه رأي يحتاج الى ردّ عقلاني وليس تهكمياً أو انتقاصًا من كاتبه، على اعتبار أنه لا يجوز صبّ النفط على منطقة سكب عليها الآخرون وقوداً سريع الاشتعال.. ورابعها أن الرأي ذاته يحتاج إلى رؤية أخرى يمكن من خلال النقاش والحوار العقلاني العلمي ليؤدي الى تفتيت هذه القسوة ويجعلها باحثةً عن أمل بوجود رواية عراقية لها هويتها. وخامسها.. إن الرواية العراقية تسجل حضورها الكمي والنوعي ايضا حتى تلك الروايات التي تحمل سمات الخراب معها لان كاتبها يكفي إنه ترك ملذّات الحياة لينتج روايةً ومثل هذه الروايات يمكن لنا أن نشيد ونحدّد الروايات الجيدة التي تكتسب أهميتها باكتمال فعل إدارتها وتكوينها، وليس من خلال كمية التجريب فيها.