ثمن الحريَّة

ثقافة 2021/07/11
...

  أمير دوشي
 
في حياة المرء هنالك مواضيع لا يجدي الاشتغال عليها والحديث عنها ان لم يكن مستلهما من تجربة شخصية تضيء وتثري الموضوع من الداخل بضوئها الخاص المميز. حيث المقترب الى الموضوع تحدده التجربة الخاصة وتلونه بعطرها المميز النابع من حياة المرء وتجاربه المتفردة.
لوري شونلك فنانة، رسامة ومصورة فوتوغرافية، وباحثة في الانثروبولوجيا، قدمت إلى العراق في ربيع 2014، ومكثت قرابة الثلاثة اشهر، اكثر من نصفها قضتها في أهوار الجبايش في محافظة ذي قار، برفقة الاستاذ المهندس جاسم الاسدي، مدير منظمة طبيعة العراق. فدرست الأهوار كباحثة  في حقل الانثروبولوجيا، ووثقتها كفنانة، وتماهت مع ابناء الاهوار وثقافتهم. فأقامت علاقات مع أبناء الأهوار والوسط الثقافي في محافظة ذي قار. قدمت محاضرة عن دور الصورة في الدفاع عن التراث الثقافي في معهد الفنون الجميلة في ذي قار، بل وامضت وقتا ليس بالقليل في فحص الأعمال الفوتوغرافية لطلاب المعهد. وشاركت كمحاضرة في ورشة اقامة جمعية المصورين العراقيين في كردستان. وبقيت على صلة وتواصل ومتابعة لأخبار العراق  وأبنائه ومصائرهم.
في خريف العام 2018  فقدت لوري صديقا مقربا منها بحادث تراجيدي، فقد انهى حياته بالانتحار، ذلك ما أضفى على حياتها غمامة من الحزن والكرب وسلسلة لا تنتهي من الاسئلة الملغزة: عن معنى وهدف الحياة، والارادة والحرية والموت والخلود. 
وبعد عام، في تشرين الأول، اندلعت انتفاضة تشرين في العراق، وكانت ذي قار، مركزا مهما من مراكز الحدث. في حينها كانت لوري تتابع وتسأل عما يجري. وفي 30  تشرين الثاني 2019،  بعد أيام من مجزرة جسر الزيتون في ذي قار، حيث نحر أكثر من ستين شابا على جسر الزيتون، كتبت لي  تسأل عما جرى. فأجبتها أن ذلك (ثمن الحرية) والانعتاق من أعوام من الفساد والخراب وانسداد الافق السياسي. 
تفاعل واختلط موضوع الرحيل التراجيدي لصديقها المقرب مع الدم المسفوح لستين شهيدا على  جسر الزيتون فانتج، في اذار 2020  عمل فني، لوحة اسمتها (سلسلة ثمن الحرية). فالعمل الفني ليس تمثيلات أو تجليات لبنى مجردة، بل هو ممارسة خاصة حرة ضمن احتمالات متعددة ومفتوحة في شرط تاريخي واجتماعي وثقافي محدد. تقول: بالتأمل اليوم في تجربة رسم هذه اللوحات، أتذكر شغف أصدقائي العراقيين. شعرت بالفخر لشجاعتهم والحزن على الثمن الذي دفع: الدم المسفوح على جسر الزيتون. العمل الفني 150 - 50 سم، اكليرك على كنفاس، في اربع لوحات متسلسة: بلاد ما بين النهرين، ليلة ظلماء، الانبعاث، والحرية. يطغي عليه التضاد بين الون الأحمر، لون الدم، مع الون الازرق والأبيض، لوني الحلم والفردوس.