الحوكمة الثقافية

ثقافة 2021/07/12
...

علي حسن الفواز
نتتبع ما يجري، ونرى بالعين الواضحة حجم الأخطاء والكوارث التي نعيشها، ولا حلول في الأفق سوى المزيد من الاجراءات المانعة، والمواقف التي تحتاج الى من يُعضّدها، ومن يحميها.
تبني خطاب النقد، قد يكون خيارا، لكنه ليس رهانا، فالنقد يظل خطابا قيمياً عائما، إنْ لم نضعه في سياق، وإن لم نجعله جزءا من عمل مؤسسي يتبنى مشروع المواجهة اولا، والتغيير ثانيا.
إذاً لنقترح البحث عن حلول ثقافية، مثلما هي الحاجة الى حلول أمنية وسياسية واقتصادية وخدماتية، وأحسب أن هذه الحلول الجامعة ستشتبك مع بعضها البعض، لتبدو وكأنها محاولات للترميم، وللخروج من الخانق السياسي والأمني الذي نعيشه، وتمثيلها وكأنها طلبات لمواطنين يحتاجون الى معالجات عميقة لهمومهم العامة.
 هذه الطلبات قد تبدو صعبة، لكنها ستدخل في باب الضرورات التي قد تُبيح المحظورات، إذ تقتضي الحاجة الى معالجة حقيقية لما نعيشه، ولما نواجهه من مشكلات معقدة، باتت تهدد الوجود على مستوى الأمن المجتمعي والسلم الأهلي، أو على مستوى الهوية والعلاقة مع الآخر.
البحث عن مثل هذه «الـطلبات» ليس عسير المنال، ورغم خطورتها، لكن جدواها يدخل في ما يتعلّق بمعنى وجودنا، وكيف لنا أن نصنع دولة عادلة وراشدة، أو نتواجد داخل مجتمع يقبل بالتنوع والتعدد والاختلاف، وبكل ما له علاقة بـ «ادارة العقل الثقافي» والبنية المؤسساتية للثقافة، وهما شأنان كبيران على مستوى الحاجة، وعلى مستوى صناعة الوعي والرأي العام، أو على مستوى تعزيز مصادر القوة في التعاطي مع مظاهر العنف والكراهية والفساد والتكفير ورفض الآخر، وهي تحديات ثقافية أكثر منها سياسية وأمنية وانثربولوجية.
الحكومة الثقافية هي حوكمة لإدارة شؤون التنوع الثقافي، والثروة الثقافية، والتاريخ الثقافي، إذ يرتبط وجود هذه الحكومة/ الحوكمة بوضع فرضية ثقافية لازمة لاعادة تأهيل الخطاب السياسي، بوصفه خطابا لإدارة الأزمات والثروات من جانب، ولإدارة مشاريع المواجهة مع الجماعات الارهابية، حيث سيكون عمل «الحوكمة الثقافية» هو ضبط آليات عمل ثقافي للستراتيجيات، التي تخص ادارة السياسة والثروة والعمل، والتي ظلت للأسف محكومة بادارات طوارئ دائمة، وأحسب أن الادارة الثقافية لا تعني تعويما، ولا تغافلا، ولا حتى خروجا عن السياق، فهي ستظل رهينة بفاعليات التنمية والتخطيط والتنظيم والرقابة، وبتأهيل المنظومات الحاكمة في المجتمع والدولة والمؤسسات والجامعة، وعلى وفق تغذية حاجتها للمعالجات الثقافية، لا سيما تلك التي تدخل في التداول الحضاري لمفاهيم الدولة والحرية والاجتماع والحق والعدل والسلم الاهلي والسيادة والهوية والعلاقة مع الآخر والتعايش.