الأحلام والمسرح

ثقافة 2021/07/12
...

 د . سعد عزيز عبد الصاحب
تستدعي لغة الاحلام في النص المسرحي المعاصر قراءة عميقة وفاحصة لما احتوته المدونات المسرحية عبر التاريخ من تمظهرات لبنية اللاوعي في اشكالها ومبانيها الفنية منذ الاغريق وحتى الزمن الحاضر، اذ يقول (سقراط) في الحلم بأنه اللغة التي يتكلم بها صوت الوعي، ويرى ابن عربي في الاحلام من منطلق اسلامي (بأنها تعبر عن الحقائق الإلهية وهي فوق ذلك مثيلة للوعي)، في حين يعرفها (فرويد) بأنها (نشاط ذهني لا ارادي متخصص في التعبير الرمزي عن خبايا اللاوعي وهدية من اللاوعي رهن اشارات الذات لاحداث التوازن الضروري)،
وينفتح الفارابي في قراءته للاحلام ويردها الى العقل الباطن واللاشعور وهو اول من تحدث عن اللاشعور الذي وظفه (فرويد)فيما بعد في دراساته النفسية، ويرى الفارابي ايضا ان الالهامات النبوية تتم في حالة اليقظة والرؤية الصادقة كما عند نبي الله ابراهيم (ع) (فلما أسلما وتله للجبين وناديناه ان يا ابراهيم قد صدقت الرؤيا وانا كذلك نجزي المحسنين)،فالرؤيا حسب الفارابي شعبة من شعب النبوة وتمت للوحي والاستشراف والمستقبل بصلة اساسية، وادى الحلم وظيفة تعويضية اكتشفها (ادلر) وعبر عنها بمركب النقص الذي وجده (يونك) ممثلا من خلال العقد والعقدة هي نواة كل ما هو من مدركات الافكار والوجدان والذكريات، فهي لا تعرب عن نفسها بصورة دائمة وعامة فهي تظهر في الاحلام ملغزة او مبهمة بحيث تحتاج الى القرائن والدلائل، فنجد عقدة الخيانة لدى (شكسبير) وعقدة العظمة لدى هتلر فهي شعورية ناتجة عن كم من الشعور واللاشعور متحدين، اما القناع فهو وسيلة لاخفاء الشخصية الحقيقية لخلق انطباع لدى الاخر فهي لا تريد التصريح بشيء فتستخدم القناع وهذا ما عمل عليه (شكسبير) في انتاج شخصية (هاملت) المسرحية، فالاثنان يقومان باخفاء شيء لدى الانسان الاول بإحساس وشعور قصدي والثاني بإحساس من غير امكانية شعورية مسيطر عليها كاملة، وهذا ما نجده في مسرحيات (بيراندللو) (ست شخصيات تبحث عن مؤلف) و(هنري الرابع) كل ذلك واكثر يستعرضه الباحث د.اياد السلامي في كتابه الموسوم (تمظهرات الحلم في بنية النص المسرحي) بفصوله الست التي انفتحت على نسق الاحلام وتجلياتها في النص المسرحي، اذ يتساءل السلامي ابتداءً مفسرا ظهور الطيف في مسرحية هاملت: (فما هو الطيف في هاملت؟ انه حلم واما عملية التكرار بالظهور للحرس ومن ثم هاملت فهو يعبر عن نوعية الرغبات والمخاوف المضمرة لدى الحرس وهاملت، وقد يكون حلما جمعيا على وفق (يونك) بسبب فاعل الخيانة التاريخي منذ (اجاممنون) وصولا الى هاملت) ويستجلي المؤلف السلامي صورة الحلم في بنية النص في ضوء ثلاث مسارات بنائية (تركيبية) ودلالية وتواصلية، مستعرضا حياة الحلم في النصوص المسرحية عبر تنقيبه في اهم المذاهب والتيارات المسرحية من الكلاسيكية وحتى مسرح العبث واللامعقول، ويرى ان مسرحية (الفرس) لـ(اسخيلوس) هي اهم مثال للمسرح الكلاسيكي في تمظهر الحلم (حلم الملكة) بوصفه شكلا تنبؤيا يدخل في صميم حبكة المسرحية، مشيرا الى مسرحيات القرون الوسطى او المسرح الكنسي الذي وظف الحلم كتقنية بنائية داخل التركيب الدرامي للمسرحية فجاءت مسرحية (القديس نيقولا) لكاتبها الفرنسي (جان بوديل)، اذ البنية المسرحية المتناصة مع الكتاب المقدس اتخذت الحلم من الفكر الديني المسيحي نفسه،ومسرحيات الكلاسيكية الجديدة (الاتباعية) ممثلة بمسرحيات (كورنيه) ومنها (بوليوكيت) ليصل المؤلف الى الاتجاه الرومانسي الذي مثله (شكسبير) عبر مسرحياته المعروفة (العاصفة)و(مكبث)و(هاملت) التي اتخذت من النبؤات والرؤى والاحلام مرتكزا بنائيا لها، ولم اجد مبررا علميا في ذكر الاتجاه (الواقعي) كمثال وانموذج لـ(الاحلام) في المسرح وباستدعاء تجارب المؤلفين (تشيخوف)و(ابسن) في سياق البحث المرتبط بمظان الاحلام والرؤى والنبؤات، ونصوص كلا المؤلفين الواقعيين لا تمت بصلة لهذا السياق فهي نصوص كتبت في فورة الثورة الصناعية والعلمية في اوروبا، وشكل وجودهما عبئا فكريا على الاطار النظري للبحث ولم يخدم او يصب في العنوان، وحتى الاستشهاد بمسرحية (طائر النورس) لـ(تشيخوف) جاء طارئا وغير مدروس فبنية الحلم لدى شخصية (تربليوف) هي بنية اجرائية فنية تستنطق فكرة صراع الاجيال وليست من صميم الحبكة او تمتلك نسقا ميتافيزيقيا كنص حلم تجريدي، في حين جاء الاستشهاد بالاتجاه الرمزي المرتبط بنص الحلم موفقا،إذ إن نص الحلم ذو الاتجاه الرمزي يمتلك بنية دلالية مستمدة من تسميته فالرموز هي التي تمتلك الدوال لمنح المستويات الدلالية للحلم فجاء استدعاء مسرحية (الطائر الازرق) لـ(مترلنك) دقيقا ومعبرا عن لواعج اللاوعي التي تمور بها نصية الحلم، وكذلك الاتكاء على الاتجاه التعبيري الذي اثرى البحث إذ تتشابه بنية المسرحية التعبيرية مع بنية نص الحلم اذ تستخدم في حبكتها عملية تقطيع الاوصال وخلق صور متعددة واستخدام لغة تلغرافية غير مترابطة ترميزية،فضلا عنإلغاء وحدتي الزمكان وتوظيف تقنية الرحلة والانتقال عبر الزمن والحج الروحي، ومن النماذج الرئيسة نص مسرحية (لعبة الحلم) لـ(سترندبرج) اذ يتم فيها استخدام شكل الحلم في بناء لغة النص الادبية،ومسرحية (الالة الجهنمية) لـ (جان كوكتو) وعلاقة الاسطورة بالحلم، وينفتح المؤلف على الاتجاه الملحمي البريشتي في البحث عن نص الحلم فوجد في مسرحية (رؤى سيمون ماشار)خير مثال،إذ تظهر الشخصيات على حقيقتها في الحلم اما في الحياة فتتستر خلف قناع الخيانة،ويحدد المؤلف سمات مسرح اللامعقول والعبث، اذ يرى (ان الوسيلة للادب العبثي قائمة على الكتابة الاوتوماتيكية غير المترابطة كما في احداث الحلم وخلق الازمان والامكنة فيه حيث لا علاقة فيها بينهما إلا من خلال عملية التحليل النفسي) فعملية الانفتاح على العقل الباطن لدى كتاب العبث هيw خلق وشائج بين الواقع والحلم ويتماهى ادب العبث مع ادب الاحلام لان الاخير ذو طابع خيالي فنتازي بامثلة مسرحيات (ايمديه)و(ضحايا الواجب) لـ(يونسكو) ويشي التيار الوجودي بتفاعلات جوهرية مع نص الحلم في ضوء الاتجاه نحو الذات والانطواء في النص الوجودي، فالاخرون هم الجحيم كما في مسرحية (الذباب)، ويذكر المؤلف ان مسرحية (السيد بوبل) لجورج شحادة وينسبها خطأً للمسرح العبثي او الوجودي في حين هي من عيون الاتجاه التعبيري في المسرح؛ وذلك لان العلاقة بين شخصياتها تواصلية (لغوية ونفسية) غير منقطعة وتتمظهر فيها فكرة الرحلة والحج وهي من صميم سمات المسرحية التعبيرية، وينفتح المؤلف اخيرا على نصوص المسرحين العربي والعراقي اللائي امتلكن نص الحلم في بنيتها.