الجهل والجاهل والثقافة

ثقافة 2021/07/12
...

  أ.د.باسم الأعسم
 
الثقافة امتياز للمثقف واستفزاز للجاهل، وبقدر سعي المثقف إلى كهربة المجتمع بالوعي والثقافة المتحضرة، بقصد تنويره لإزاحة بؤر الجهل المعتمة، فإن الجاهل بغض النظر عن عنوانه ولقبه، يكون أشبه باللص عدوه الضوء، فينتظر حلول الظلام لتحقيق مآربه الشخصية بقصدية مسبقة. 
فضلاً عن ذلك ان الجاهل بوصفه العدو الأول للمثقف يكون على أنواع منها: الأغلبية اللاهثة وراء مصالحها الذاتية وما يشبعها ويزيد ثراءها المادي، وليس الثقافي أو الفكري، فلا تأبه بالمثقف وطروحاته أو تقرأ مؤلفاته ومقالاته وتتابع جلساته وحواراته.
ولذلك، فإن معاناة المثقف وسط بيئة جاهلة تكون هائلة، وصادمة تشعره بالاغتراب النفسي والثقافي، في مجتمعه الذي يفترض أن يحفل به، فهو لسان حاله، لكن الجهالة والغباوة تطردان الثقافة ورموزها، مثلما ان العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة.
ولعل أشد أعداء المثقف، نفسه، التي ربما تحضه على اعتناق فكر متطرف أو الارتماء في أحضان شلة منافقة لدواعٍ شخصية أو مصالح ذاتية بحتة، فسيكون عند ذاك –تابعاً ذليلاً وفاقداً هويته وثقافتة الدالة على خصوصيته، وهذا الأمر إن حدث فسيضاعف عدد كارهيه في محيطه الفكري والثقافي بسبب ملقه أو تطرفه.
ثمة جاهل متعالم يدعي ما ليس عنده من العلم والثقافة والفكر، وهذا يعد من أشد خصوم الثقافة والمثقفين الحالمين بمجتمع عادل ومسالم يضم نماذج مثقفة يؤرقها الوعي والتسامح، ويغيضها الادعاء الأجوف وفاحش الكلام، ويسعدها الحب والسلام.
ولا يمكن للثقافة أن تشاع والفن يذاع، إذا ما استحكم الجهل، وتنوعت منابعه بفعل هيمنة الجهلاء، الذين يعتاشون على الأحقاد والخصام، فالجهل أخطر من الوباء، انه يتمدد في البيئات الجاهلة من دون زمان أو مكان محددين، والوباء قد يصيب أفراداً أو جماعات وينتهي، لكن الجهل كارثة مبرمة لا يزاح إلا بثورة ثقافية عارمة، تعظم شأن العلم والعلماء، والفنانين والأدباء، والمفكرين والصلحاء.
إن من العلامات الدالة على رقي الأمم، تضاؤل نسبة الجهل والجهلاء، وتنامي وتائر العلم والثقافة والاصفياء، عبر مؤسسات مدنية نقابية ومهنية تديم الحراك الثقافي والفكري، بحيث تكون علامة فارقة لنهج الدول المتقدمة التي تعي دور المثقف وحاجة الثقافة دورهما في كنس مخلفات الجهل والجهلاء، على النقيض من الأنظمة المتخلفة التي تصدر الأفكار المتكلسة والنماذج المتحجرة التي تعيق مسار الثقافة والتقدم، إذ إن الجاهل ترعبه الثقافية ويفضحه العلم ويكشف زيفه الاعلام.
لقد كان الجهل ولم يزل من التابوات الكابحة للوعي والتمرد والانعتاق منذ فجر التاريخ وحتى سطوع شمس الحداثة وما بعدها، لكن الجهل مندحر والجهلاء آفلون، ذلك هو قانون الحياة ومنطق الجدل وصيرورة التطور، فما ينفع الناس ويشيع الفكر والجمال باقٍ، والذي يصدر الجهل والقبح والتخلف مآلهُ الأفول.
إن من أخص علامات الأنظمة التي تحط من شأن الثقافة والمثقفين وتشيع الجهل والحمقى والمتهورين، انعدام المؤسسات التي تعنى بالأدب والفكر والفن لصالح المؤسسات الراعية للجهل.
إن الجهل يصدأ النفوس ويعمي الأبصار عن رؤية حقائق الوجود، واستأصاله يعد خطوة رائدة باتجاه بناء العباد وإصلاح البلاد، عبر العلم الذي هو نور، الذي يتقاطع والجهل بوصفه ظلاماً، فلا يجتمع النقيضان أو يتجانسان، وعلى حد قول الشاعر: (الجهل يسقط أمة ويذلها/ والعلم يرفعها أجل مقام).