النظريّة النسويّة المعاصرة والفضاء الالكتروني

ثقافة 2021/07/13
...

 د. نصير جابر
 
لا شك في أن للتقنيات الحديثة والابتكارات الجديدة والاكتشافات العلمية والتكنولوجية مهما كانت صغيرة أو كبيرة الدور الكبير في تغيير وتبديل نمط حياة الانسان، وهذا التغيير يصاحبه عادة تبدّل سلوكي قد يكون بطيئا وغير محسوس أو منظور ولكنّه في المحصلة النهائية سيُخلخل البينة الاجتماعية الراكدة والقارّة منذ قرون ويتّجه بها ومعها نحو مناطق جديدة من الرؤى والتجليات والأفكار الصادمة المشاكسة، فلو قلنا مثلا أنّ كل تقنية تأتي بأفكارها وعالمها معها لما جانبنا الحقيقة أبدا.
وهذه التقنيات والاختراعات وصلت بنا ذات يوم فاصل ومحوري إلى عالم جديد تماما.. ففي 4 فبراير/شباط 2004 انطلق اعصار مذهل سيغيّر ملامح الحياة بمفاصلها كافة، انطلق وكأنّه عفريت هائل خرج من مصباح سحري يأتمر بضغطة زرّ على يد مخترع أميركي شاب (مواليد 1984) هو (مارك زوكربيرج) مع زميل آخر له في جامعة هارفارد يكبره بعامين (مواليد 1982) (إدوارد و سافيرين) ومع هذا العالم (الفيسبوك) ظهرت لغة جديدة  تفترض عالمها وأخلاقها وكان على النظريات الانسانية التي تجعل من الفرد موضوعها الرئيس أن تعيد حساباتها لتنتظم في المضمار من جديد في سباقها نحو الهدف المنشود دائما (الانسان)، وكان على لغة خطابها أن تتسلّق درجات السلم الجديد لتصل إلى ما تريده ومنها النظرية النسوية المعاصرة التي تحاول دائما أن تكون حاضرة في كلّ حراك معرفي فكان على عرّابيها أن يستغلوا هذا الفضاء الجديد أجمل استغلال.
لذا كان مصطلح (النسوية الإلكترونية) الذي تبنته المفكرة البريطانية (سادي بلانت) لأول مرة عام 1992 خطوة مهمة ومبكرة لاستيعاب تشعبات هذه العالم الجديد ومحاولة تطويعه وفك شفراته من أجل السيطرة على منصاته التي تتيح للمرأة التمكّن والمحاورة ومن ثمّ النجاح في خلق بيئتها الآمنة.
وتأمل تفاصيل هذا الكون الجديد تأخذنا دائما إلى مناطق جديدة في سلطة اللغة التي توفرها هذه التكنولوجيا،  
ففي منصات التواصل الاجتماعي (الفيسبوك) مثلا هناك أيقونة (طلب صداقة) أظن أن الرجل الشرقي في البداية ظل ساهما أمامها فهو يفترض مسبقا أن لا صداقة بين الرجل والمرأة، وأن العلاقة الوحيدة الممكنة مع أي امرأة غريبة هي علاقة رومانسية فحسب، ولكنه صُفع بهذه الأيقونة وانصاع مرغما ليطلب صداقة أنثى ستناقشه بعد أيام على صفحات التواصل وهي معتدة برأيها وصوتها العالي الذي كان يراد له أن لا يظهر ويسمعه أحد.
لقد غيّر (الفيسبوك) من خطاب التواصل بسرعة البرق فهل استطاعت النسويات أن يغيّرن من خطابات هذه النظرية؟
وهل يمكن أن تقاوم لتفعل أسسها في نسيج المجتمع أم أن هناك ردة معاكسة ستستعمل هذه التكنولوجيا أيضا في محو أي بارقة أمل جديدة
للتنوير؟.
تؤكد (سادي بلانت) أن العلاقة بين التكنولوجيا والمرأة حميمية وهي بذلك تشير إلى نجاح ملحوظ واستغلال جيد مكّن المرأة من معايشة هذا الفضاء والظهور بفعالية داخله، ولعل الاشارات التي يمكن أن تدلنا على هذه العلاقة كثيرة، ومنها – في ما يخص المحيط العربي – مسألة صورة المرأة الفوتوغرافية.  
ففي البداية وجدت أن هناك مشكلة في نشر الصورة فنحو 90 بالمئة من الحسابات العربية النسائية لاتحمل صور أصحابها، فالمجتمع العربي لا يتقبل نشر صورة لامرأة بصورة علنية، لذا لجأت أغلب النساء إلى وضع  صور الورد أو الأشجار وما شابه ذلك، أو وضع صور بعض العربيات الشهيرات، وقد لاحظت أن صور (غادة السمان وأحلام مستغانمي) أكثر الصور انتشارا بين الصفحات النسائية، ومن الواضح أن لهاتين  الشخصيتين من ميزة التمرد والاختلاف ومن ثمّ فإن المرأة تريد أن تكون داخل حيز التمرد بمجرد أنها أنشأت صفحة فيسبوك.. ولكن بعد سنوات بدأت تظهر صور شخصية حقيقية وتجد من يعجب بها من دون تطرف أو  ابداء رأي يدل على الاستهجان إلا ما ندر.