نحن والأولمبياد

الرياضة 2021/07/27
...

خالد جاسم
مؤكد أن التنافس في كل الألعاب الفردية منها والجماعية في الدورة الأولمبية هو تنافس ساخن وشديد بين مدارس متقدمة ومنتخبات عريقة وكبيرة، كما هو صراع تفوق مضن وقاس بين أبطال متمرسين يمتلكون كل معايير التفوق الشرس وصنعتهم بلدانهم على مدى سنوات ليكونوا أبطالا بحق وحقيقة، وترسم عليهم الامال الكبار في تأكيد هذا التفوق ميدانيا في المناسبة الرياضية الأهم والأكبر التي تجري كل أربعة أعوام وهي الدورة الاولمبية، حيث يكون مقدار الأوسمة التي يحققها كل بلد في جدول المنافسة هو معيار التقدم الحقيقي لهذه البلدان في عالم الرياضة، كما أن طبيعة هذا التنافس من خلال البرامج العلمية والحسابات الموضوعية تعني بمنتهى البساطة ومن دون غوص في التفاصيل الفنية والحسابات العلمية أن تلك الدول تستغرق ما لا يقل عن أربعة أعوام في صناعة كل بطل رياضي تعلق عليه الطموحات في التنافس على أحد الأوسمة الاولمبية ووفق معادلات رياضية تحسب الجهد والزمن والأرقام من خلال إعداد علمي مبرمج واحتكاك دائم، ومن ثم تأتي النتائج في الاولمبياد وفق حسبة دقيقة وليست نتاج ضرب من الخيال أو صنيعة الصدفة أو الحظ . 
وعلى الصعيد العراقي وقبل وبعد كل مشاركة لنا في الدورة الأولمبية يتساءل بعضنا ويقول: هل نحن نمتلك فعلا مقومات تؤهلنا لحصد الأوسمة وتحقيق النتائج التي تضعنا في مصاف الدول المتقدمة؟ الجواب بكل بساطة هو كلا، بل وألف كلا، كما هو حال مشاركاتنا ذات الطابع الرمزي في الدورات الأولمبية، وصار حلم الحصول على وسام أولمبي ثان يضاف الى وسام الخالد الذكر عبد الواحد عزيز مثل حلم العصافير .. والأسباب هنا معروفة لنا جميعا والكل يتحمل المسؤولية، وليس من المنطق بل وحتى من المعقول أن نتهم هذه الجهة أو تلك مع الاعتراف هنا طبعا بمقصرية اللجنة الاولمبية على صعيد غياب التخطيط العلمي في رياضة الانجاز، وهو تقصير تتحمله كذلك الاتحادات الرياضية كما تتحمله وزارة الشباب والرياضة لأنها الجهة المسؤولة عن توفير البنى التحتية الأساسية التي من دون توافرها وحضورها الفعلي وليس على الورق أو في كرنفالات وضع الحجر الأساس التي لا تغني ولا تسمن من جوع،  وهي مشكلة مزمنة ولها جذور وترسبات ترتبط بالحقبة الزمنية الماضية، إذ استنزفت الكثير من الأموال والجهود في مشاريع ومنشات بعضها ولا أقول معظمها غير ذات جدوى للرياضة والرياضيين كما لم يتمكن جهابذة التخطيط وعباقرة التدريب من بلوغ العتبة الأولى في صناعة مشروع بطل اولمبي عراقي.. وكيف نطلب من اللجنة الاولمبية التي تتقاذف عليها سهام النقد حقا أو باطلا ان تنهض بالتخطيط الصحيح ووضع ستراتيجية عمل رياضي سليم وهي تفتقد العديد من المقومات المهمة الغائبة، وكيف نتوقع من اتحادات رياضية معظمها مبتلاة بشتى الأمراض والعلل أن تنتج لنا أبطالا اسيويين أو أولمبيين، إذ صناعة البطل في كلتا الحالتين وفق المواصفات الحقيقية لن تتحقق بالسفر والمعسكرات التدريبية فقط بل تحتاج الى خلق بيئة رياضية صحية وصحيحة في داخل البلد أولا وأخيرا ..وهنا تسكب العبرات والحديث مؤلم جدا وذو شجون وعقدت من أجله مؤتمرات ورسمت له ستراتيجيات على الورق كما رشحت له حلول ومعالجات، لكن بقي الحال على ما هو عليه وسيبقى كذلك بكل تأكيد، وهي مسؤولية يجب أن ترتدي ثوبا تضامنيا شاملا تشارك فيه كل الجهات المعنية بالرياضة، لأن صناعة البطل وتحقيق الانجاز العالي ليست مسؤولية الاولمبية وحدها، وإن كانت هي نفسها المعنية أكثر من غيرها في ذلك، لكن بلوغ الانجاز وقبل ذلك النجاح في تشييد قاعدة الأبطال في رياضتنا، الذين تتوفر فيهم مواصفات تحقيق الانجازات في المدى المنظور بل وحتى على المدى البعيد، يجب أن تكون فيه مساهمة مباشرة وأساسية من الأطراف الأخرى وبضمن ذلك الدولة نفسها، كما أن توفير المناخات والبيئة الضرورية في خلق وصناعة الأبطال لا يمكن أن يتحقق بغياب الملاعب والقاعات المتخصصة والأجهزة والمعدات الحديثة مع ما يضاف اليها من مدربين على قدر كبير من الخبرة والكفاءة الفنية، وامكانية رسم كل منهم بالتعاون مع الاتحادات المسؤولة مفردات المناهج العلمية المتضمنة كل تفاصيل الاعداد والاحتكاك والتنافس الصحيح والمنتج، مثلما أن الاستفادة من بروتوكولات التعاون مع الدول المتقدمة تبدو مهمة جدا على صعيد زج هؤلاء الأبطال في معسكرات تدريبية وخوض تدريبات ومنافسات مشتركة مع أبطال تلك الدول، وهي مسؤولية كبيرة، وكما سبق القول يجب أن لا تكون اللجنة الاولمبية من يتحمل ثقلها بالكامل بل تجب مساهمة الجميع بمن في ذلك الاعلام الرياضي، لأن صناعة البطل وتحقيق الانجاز الرياضي، صناعة وطنية تتطلب مجهودات دولة، لأن ثمار البطولة ليست أقل من أي منجز أو نجاح في السياسة أو الفن أو الاقتصاد أو الدبلوماسية وغيرها من النجاحات والانجازات التي تتغنى بها الأمم والشعوب المتحضرة .