لا استقرار دونما تعايش

العراق 2019/02/22
...

حسين العادلي
أغلب ويلات البشرية ناجمة عن رفض التّكيف مع مبدأ التعايش والقبول باسحقاقاته الإنسانية السياسية، فممارسات الإقصاء والتكفير والتطهير العرقي الطائفي الإثني تستند إلى رفض التعايش وقبول الآخر، لأسباب تتمحور حول: توهم امتلاك الحقيقة ونقاء العرق وخصوصية الهوية وتناشز الثقافة، إضافة إلى أجندات التوظيف السياسي المصالحي من قبل مراكز النفوذ وتجار الأزمات.
التنوع الإنساني الديني والقومي والطائفي والثقافي هو تنوع طبيعي، فالناس أمم منوّعة وهويات متنوعة بحكم الأصل أو الاختيار، ولا يمكن بقاء دولة دونما تعايش يضمن الاعتراف بالتنوع والقبول باستحقاقاته الإنسانية السياسية الحقوقية، وأكثر الدول اضطراباً هي تلك الضاربة عرض الحائط لاستحقاقات التعايش.
بخلاف دولة المواطنة الضامنة للحقوق والواجبات المتساوية المتكافئة فلا سلام للعالم،.. ففي العالم اليوم 10000 ديانة، 1000 ديانة منها يصل أتباعها إلى أكثر من مليون إنسان، وفي الديانات الكبرى مئات المذاهب والطوائف. أيضاً، فإنَّ تعداد دول العالم اليوم 197 دولة يعيش ويتعايش فيها أكثر من 8000 إثنية و 6700 لغة،.. في أفريقيا وحدها يعيش أكثر من 750 مليون نسمة يتقاسمون العيش في 54 دولة وتوجد بداخلها 2200 أثنية تتكلم بمثل هذا العدد من اللغات،.. وآسيا التي يعيش فيها اليوم أكثر من 3.5 مليارات نسمة يتوزعون بدورهم الى أكثر من 2000 أثنية وينطقون بأكثر من 2000 لغة ويعتنقون ديانات شتى،.. الأمة الاندونيسية ذات الـ 230 مليون نسمة تتوزع بين 300 أثنية وتنطق بـ 365 لغة،.. بينما يصل تعداد الإثنيات في الفلبين الى 100، وفي فيتنام إلى 55، وفي تركيا إلى 66، وفي إيران إلى 21، وفي بنغلاديش إلى 52،.. فكيف لنا أن نتصور حال العالم إن لم تعترف مجتمعاته ودّوله بالتعايش كأساس تعتمده ببناء المجتمعات وإدارة الدول؟
التعايش غير العيش، فالعيش يعتمد علائق انسانية تستند الى الاضطرار بحكم الضرورة، بخلاف التعايش الذي يستند الى الوعي والاختيار لإنتاج العلائق المشتركة على أرضية الاعتراف والقبول بالآخر كما هو، فالتعايش يختزن قيماً معرفية وسلوكية تقوم على وعي الحياة والمصالح كمشترك إنساني يؤسَّس على الإختلاف لا على التشابه، فقاعدة الخلق وتحقيق المصالح يقومان على الاختلاف المُنتج للتّنوع، والتّنوع بدوره هو أساس التكامل الإنساني. إنّ فن الحياة بأمن وسلام وإثراء ما هو إلاّ الإبداع المشترك لقواعد وسُبل يحددها المتعايشون، وأنَّ هذا الإبداع المشترك يقتضي تبادلية الاعتراف والحماية والمصلحة لجميع الأطراف الداخلة في عملية التعايش، وإلاّ صار إكراهاً وحملاً بالقوة لصالح طرف على حساب طرف، وهو ما يقود الى الاحتراب.
لن تستقر دولة دونما مواطنة تامّة ضامنة (سياسياً ثقافياً حقوقياً) للتعايش والتعددية والتّنوع المجتمعي، وخلق دولة صافية العرق أو الديانة أو الطائفة خطيئة مارستها الأنظمة الشوفينية المستبدة التي ألغت استحقاق التّنوع بالمواطنة التّامة والحقوق المدنية المتساوية، وهذا ما عانت منه الدولة العراقية قبل 2003. وبالمقابل لن تستقر دولة تعطي للتّنوع بُعداً سيادياً كما في النظام التوافقي المكوّناتي الذي يستند إلى مبادئ هوية وسلطة ومصالح المكوّنات، كونه سيخلق تضاد هويات مجتمعيا مكوّناتيا متصارعا داخل الدولة الواحدة، وهذا ما تعاني منه الدولة العراقية بعد 2003.