نظافة الشارع.. مسؤولية الدولة أم إهمال الفرد والمجتمع؟

آراء 2021/08/08
...

 بقلم د.سلامة الصالحي 
تعد نظافة المدن والبلدات وحتى القرى وترتيبها وتهذيبها انعكاسا لثقافة المجتمعات وطرق تفكيرها ومسؤوليتها، تجاه المكان أو البيئة والحياة عموما، والمدن الحديثة التي تتبع لدول ناجحة تجد أن من أولويات الجهات المسؤولة كالبلديات والمجالس البلدية هي نظافة الشارع والحرص على تقليل نسب التلوث، سواء كان عضويا أو غير عضوي من نفايات وعوادم السيارات ومخلفات البشر والحيوانات والمستشفيات، ويتم تعليم الفرد طرق الحرص على نظافة البيت والشارع والمدينة منذ طفولته إن لم يكن قد تعلم ذلك في البيت أساسا.
وهنا نتناول موضوعة مدن بلادنا العراق وما حل بها من زيادة أعداد البشر وهجرات عشوائية من الريف الى المدينة أو بين المدن، بحثا عن لقمة العيش والرفاهية التي توفرها المدن من طرق وخدمات ماء وكهرباء وفرص عمل، مقارنة بالريف الذي هجره أهله هو وخيراته وما تجلبه الارض من المال، والمدن المقصود اليها والتي بقيت على نفس ما كانت عليه قبل عقود دون توسعة أو تخطيط حضاري حديث، لأن الاموال المخصصة لتنمية المدن ذهبت الى جيوب اللصوص، قصرنا كمراقبين ننظر الى هذه الفوضى في الشوارع والمدن واتساخ الشوارع والأسواق غير المسبوق، وتحولها الى مكبات نفايات واضحة للعيان، وكأن هناك مهرجانا للقمامة يومي لا يتوقف، ففي كل شارع تجد التلال المقرفة من النفايات التي يمكن أن تتحلل الى مواد سامة وضارة للبيئة والناس.
 ويبدو لي أن هذا الامر نتحمل مسؤوليته جميعا من دوائر خدمية وبلديات الى مجتمع اتكالي، ولا مبالاة مستفزة تجعل منا لو أن لدينا فرصة القرار لفرض قوانين للنظافة واحترام كرامة المدن ومظهرها اللائق من أهم ما نعمل عليه. 
فسائق السيارة لا يتردد في رمي نفاياته في وسط الشارع من دون أن يحاسبه الشرطي أو الناس التي تراه، كما أن القصاب لا يخجل من نصب مجزرته المتنقلة في قلب المدينة وذبح وسلخ حيواناته وتقطيع الذبائح بحرية تامة، ليتخلص من إيجارات المحال، معتديا وبصلف على المكان والمال العام، وجعل المكان بيئة ملائمة جدا لنمو الجراثيم وروائح التحلل التي تنتهك صحة الهواء والناس ولو شعر هذا المتجاوز من أن القانون وحق الناس عليه، بالخوف من المحاسبة لما تجرأ على هذا الفعل الشائن واللا انساني وذهب بكل هدوء الى المجازر الصحية، التي تتكفل بالأمر كأي بلد في عشرينيات القرن الواحد والعشرين قرن المعرفة والتقدم السريع الهائل مقارنة بعقود بعيدة سابق، كانت المدن أكثر نظافة وهدوءا ورقيا فما الذي حصل،هل تعرض البلاد للسرقات الجائرة أفقر مؤسساتها أم إن انحطاط مستوى التربية والتعليم والانشغال بتوافه الامور جعل من مجتمعنا يتراجع بطريقة مرعبة ومخيفة يجب ألا نصمت عنها. إما مسيرات قطعان الاغنام والابقار والكلاب السائبة فانها لا تجد حريتها مثلما تجدها وهي تتغذى على تلال النفايات في بغداد وبقية المدن وكأن هذه المدن مراعٍ حرة لنزهة حيواناتهم، ليتخلص من تكاليف الاعلاف، فيما لو حرص عليها في حظيرة تخصه، هي وما تخلفه من فضلات ويوريا لا تصلح الا لمنطقة ريفية لتسميد الاراضي الزراعية وليس إسفلت الشارع.
 فليس مستبعدا أن تنزلق أحد أقدامك بكتلة فضلات لبقرات تتجول في شوارع المنصور مثلا، إما الاسواق وخصوصا أسواق الفواكه والخضر فهي بؤرة جيدة لتراكم النفايات وبقايا التالف من المعروض، من دون أن يشعر صاحب المحل أو العلوة أن نظافة المكان تقع على مسؤوليته بالدرجة الاولى وينسحب الامر على كل الشوارع التجارية التي تجد أن واجهات محالها، قد تم الاعتناء بها وإن داخل المحل نظيف جدا، في حين تجد أن الرصيف الذي يكون أغلب الاحيان قد تم الاستيلاء عليه وجعله من ممتلكات صاحب المحل وقد يستخدم كموقف للسيارات مقابل اجور كأي مرأب نظامي، من دون ان يترك مجالا للسابلة لتسير براحة، ويحدث هذا في بغداد والمحافظات نهارا جهارا وأمام أعين دوريات المرور والشرطة، هذا الاهمال واتساخ المدن دورة شائكة تسهم فيه مؤسسات دولة ينخرها الفساد ومجتمع لا يشعر بالمسؤولية وكرامة وطنه ومدنه، فهو عدو للشارع ويعده ملكا للدولة ويجب الايغال في تدميره و تركه، يحدث هذا كنوع من الانحطاط السلوكي لدى الناس عندما تغزوها الانانية وكراهية الوطن والتي تنعكس بسلوكيات مشينة منها هذه المظاهر المؤلمة، التي تلوث أبصارنا وتحزن أرواحنا دون أن يحاسبها أحد.
 فقد تحول شارع الرشيد الذي ظل في مخيلتنا ذلك المكان الساحر الذي يحمل عبق بغداد وعلامتها الفارقة، القديم الجميل والمترف، الى مستودع لرمي كل من لديه عربة نفايات تخرج من محال التجار الذين أساؤوا الى مدينة الجمال بغداد، وهكذا كل المناطق التجارية المحيطة بشارع الرشيد، ولك من الحظ الكثير أن دبت خطوتك على رصيف نظيف أو متروك للمارة، فهو يفرغ بضاعته في محله تاركا نفاياتها على هواه وكيفما 
يحب. 
وهنا تبرز أهمية ودور الدوائر البلدية في فرض غرامات كبيرة على كل من تسول له نفسه رمي بقاياهم في الشارع وإنهاك المدينة بمزيد من القذارة والقمامة، فالذي لايشعر بالمسؤولية تجاه الوطن والناس يجب أن يدفع الثمن من دون أن نراعي المجاملات والعلاقات الشخصية التي تقف خلفها الرشى والضمائر الميتة، والتأثيرات السياسية البشعة التي أفسدت مدننا وحياتنا. فالبلاد ومظهره الحضاري النظيف والمهذب مسؤولية الناس 
والدولة. 
صحيح إن الفساد الاداري ونهب الاموال أفقر البلاد وقصر يد الدولة وإمكانية جرف هذه النفايات عبر آليات حديثة متطورة تعيد تدويرها معامل متخصصة. 
وفي العالم خبرات كثيرة في هذا المجال،من  ممكن ان يحول الضرر الناجم الى منفعة وأموال، ويتضح هذا هذا التقصير واللامبالاة من قبل دوائر وبلديات المدن في تثقيف الناس الى ضرورة تنظيف أبواب بيوتها وعزل انواع النفايات، كما تفعل الدول المتطورة حتما سيؤدي الى حياة افضل فيها احترام للانسان وقيمة الحياة، ناهيك عن الاعداد المليونية للسيارات وما تخلفه من عوادم، لا أدري بماذا تنشغل بلديات العاصمة والمدن العراقية الاخرى وهي تمارس الاهمال وتشارك المواطن في تحويل الشارع الى مستودع قبيح للقذارات والمخلفات، إن لم تنشغل بنظافة المدن والحفاظ عليها فبماذا تنشغل، فهذه النفايات من الممكن تدويرها واعادتها للحياة والتفكير كثيرا في التشجير والعناية بالجزرات الوسطية كحدائق تمتص التلوث والاتربة القادمة من أراضٍ، بدأت تتصحر أمام أعيننا دون أن يرف جفن لمسؤول أو يقلقه الامر، ويقال إن سيارة البلديات التي تجمع النفايات يتم تأجيرها من قبل آخرين كنوع من الارتزاق، الذي يقف خلفه الفساد المالي والاداري الذي حول البلد الى مستغل حتى في أزباله، فالفرد والمجتمع شريكان لا يقلان شراسة بالأذى في اتساخ المدن وتراجعها، وبالتالي انعكاس غير حضاري وكئيب لبلد غني وثري ماديا وبشريا.