مباحث في فن الزهيري

فلكلور 2021/08/12
...

  شكر حاجم الصالحي
 
تعددت آراء المهتمين والباحثين وأصحاب الاختصاص بشأن أصل تسميته وموطن نشأته وأبرز ناظميه وأهم أنواعه، ولم تستقر الذاكرة الشعبية على توصيف دقيق له، فــ (الزهيري) هذا الفن القولي الشائع حاز على الانتشار في مواطن عدة، واستأثر بما يزيد من عشرات البحوث والدراسات القيمة، التي لم تتفق على ماهيته وتأريخيته، لكن الباحث الجاد المثابر محمد الخالدي حسم كل هذه التناقضات المعرفية عبر كتابه القيم «مباحث في فن الزهيري»، الذي أصدره قبل سنوات وبالتحديد في سنة 2016، اذ توصل من خلال بحثه الاستقصائي الى ما يُغني القارئ ويُضيف الى خزينه المعرفي ما يبدد شكوكه ويكرس في الذاكرة الجمعيّة قناعات جديدة، تستمد توصلاتها من خلال دأب الباحث الخالدي على كشف بواطن ومخفيات هذا الفن ــ الزهيري ـــ وإعادة تقويم الافتراضات والأوهام والاقوال، التي رافقت ظهوره وسعة انتشاره. وأزعم أن (مباحث في فن الزهيري) إنجاز يستحق القراءة الفاحصة والاستقبال المفضي الى مغادرة كل ما علق بهذا الفن من شوائب، ولا بد هنا أن نستغرض بعض مباحث هذا الانجاز المهم فهو في المبحث الاول: التعريف بالمواليا يقول الخالدي :
يعدّ الموال أحد الفنون الشعرية التي أشار اليها ابن سعيد المغربي الاندلسي المتوفى سنة ( 685 هـ ــ 1286 م ) في الفصل الرابع الذي خصصه لـ (أزاهر الاوزان المولدة التي تحكي الخدود الموردة).
وعن التسمية يقول: للباحثين آراء مختلفة في أصل تسمية المواليا لغة: فللسيوطي في ذلك ــ مثلاً ــ رأيان الاول مُوال بضم الميم وفتح الواو المخففة وبعد الألف لام مفتوحة على صيغة اسم مفعول من ولاه يواليه إذا تابعه، والثاني بفتح الميم والواو وكسر اللام على صغة الجمع، والمواليا بزيادة ياء المتكلم وادغام الياء ولحوق الألف للاشباع، ويتحمل عدم تشديد الياء تخفيفاً ــ وللدكتور رضا محسن القريشي رأيان ايضاً:
الأول: قد يكون أصلها (ياء) كأن اصلهم (يا مواليا)، والثاني قد هذه الألف بقية الألف أي (يا موالي) بشديد الياء، ثم حذفت النون اختصاراً وتخفيفاً وامعاناً في مد الألف وعن الموآل اصطلاحاً:
يرى بعض مؤرخي القرن الثامن الهجري وفي مقدمتهم السيوطي المتوفى سنة (911 هـ ــ 1505 م) إن تسمية النظم المعروف بالمواليا بــ اصطلاح جديد هو ( الموالي ) الذي كان ينظم بثلاثة انواع هي: الرباعي، والخماسي (الاعرج) والسباعي (النعماني)، واستمرت هذه التسمية الجديدة حتى أواخر القرن الحادي عشر الهجري، اذ حُرفت هذه التسمية الى (موال ) بعد أن حذفت منها الالف واللام وياء المتكلم للتخفيف، وقيل إن المصريين هم من كان وراء ذلك .
وعن المباحث المهمة في هذا الانجاز: المبحث الثالث حول تسمية هذا الفن بالمواليا ويستعرض المؤلف الاراء المختلفة لسبب التسمية، ويورد قول صفي الدين الحلي بذلك اذ يقول الحلّي: سُمّي بهذا الاسم لأن الواسطيين لمّا اخترعوه، وكان سهل التناول لقصره تعلّمه عبيدهم المتسلمين عمارة بساتينهم والفعول، والمعامرة، والأبارون، فكانوا يغنّون به في رؤوس النخيل، وعلى سقي المياه، ويقولون في آخر كل صوت مع الترنم:
يا مواليا، اشارة الى ساداتهم فغلب عليه هذا الاسم وعرف به، ولا بد ونحن نستعرض بعض محتويات (مباحث في فن الزهيري)، أن نشير الى الباحث المثابر محمد الخالدي قد أنجز دراسة مهمة في هذا الفن، وكقارئ منتج اتفق تماماً مع ما ورد في الحقائق، التي توصل اليها في بحثه القيم هذا، ومنها:
اثبتت الدراسة ان فن المواليا، فن حلّي لا علاقة له بمدينة واسط، وكانت إحدى تسمياته (بالحلاوي) ومن هذه المدينة انتقل الى بغداد
وغيرها.
كما أثبتت دراسة الخالدي أن فن المواليا بدأ رباعيا يقتفي خطى فن (الدوبيت)، ثم تطور الى الخماسي حتى انتهى بالنظم السباعي.
واثبتت الدراسة ان نسبة الزهيري لا علاقة لها بــ (الملا جادر ــ الزهيري) ولا بأحمد ابي الحسن بن القاسم الزهيري، وان هاتين الشخصيتين، هما شخصيتان وهميتان، الأولى كانت من صنع الشاعر عبد الكريم العلاف والثانية من صنع الشاعر السوري عمر
 فتحي.
وفي الختام ان هذه السطور الانطباعية لا تفي (باحث في فن الزهيري) حقه، وأدعو الى اقتنائه والتعرف على ما جاء فيه من معلومات جديدة يستحق مكتشفها الباحث محمد الخالدي كل الثناء على ما قدمه من جهد طيب في هذا الفن القولي المهم.