العنصرية وذاكرة العنف

آراء 2021/08/24
...

 د. حيدر شاكر خميس
 إن ظاهرة التمييز العنصري التي نراها تحدث الان بين الحين والاخر في الولايات المتحدة الاميركية ليست وليدة اليوم، وانما هي الوريث الشرعي لمشكلة العبودية التي شكلت نقطة الخلاف الكبرى في الواقع السياسي والاجتماعي الاميركي، منذ وصول اول قارب يحمل 19 عبدا افريقيا الى سواحل مستعمرة فرجينيا في عام 1619، حتى صدور التعديل الخامس عشر للدستور الاميركي في عام 1870 الذي نص على السماح للرجال السود بالتصويت والترشيح للانتخابات وحصولهم بذلك على جميع حقوق المواطنة الاميركية.
منذ السنوات الاولى لاستقلال الولايات المتحدة الاميركية كانت هناك بوادر خلاف حقيقة بين الولايات الجنوبية ونظيراتها الشمالية حول السبل المثلى لحكم البلاد، وقد شكلت العبودية القضية الرئيسة في ذلك الخلاف، ففي مؤتمر فلادلفيا الذي عقد في عام 1787 لصياغة الدستور الاتحادي أصرت ولايتا كارولينا الجنوبية وجورجيا على ان يتضمن مادة تعترف بوجود الرق في البلاد، وعندما لم تستجب الولايات الشمالية لمطلبهما هددتا بالانسحاب من الاتحاد، الامر الذي أدى الى تراجع القائمين على المؤتمر والوصول الى حل وسط متوازن، لم يشر الدستور من خلاله الى العبيد بشكل صريح، لكنه منح الولايات صلاحية التعامل مع العبودية داخل اراضيها، وتفاقم الخلاف بين نصفي البلاد في قضية العبودية، ووصل الجدل حولها الى ذروته في منتصف القرن التاسع عشر، اذ عدها الشماليون مسألة غير أخلاقية يجب القضاء عليها، بينما تمسك الجنوبيون بها بوصفها تشكل الهيكل الرئيس لنظامهم الاقتصادي والاجتماعي، ووصل الخلاف ذروته في الانتخابات الرئاسية في عام 1860، التي فاز بها {الحزب الجمهوري}. 
الذي تأسس في الشمال بهدف معارضة العبودية، وادى ذلك الفوز الى انفصال 11 ولاية جنوبية وتأسيس جمهورية " الولايات الكونفدرالية الاميركية واندلاع الحرب الاهلية الاميركية بين الطرفين بين عامي 1861 - 1865، التي كانت أهم نتائجها انتصار الشمال وعودة الولايات الجنوبية الى الاتحاد وانهاء العبودية في جميع أراضي الولايات المتحدة الاميركية. 
 في شهر شباط من كل عام يحتفل الاميركيون من السود بما يطلقون عليه {شهر التاريخ الاسود}، لإحياء وتخليد ذكرى الادوار المهمة التي اداها اسلافهم واسهاماتهم في تاريخ الولايات المتحدة الاميركية، وبدأ الاحتفال بهذه الذكرى في عام 1926 بدعوى من قبل المؤرخ الاسود كارل وودسون واطلق عليها {اسبوع التاريخ الاسود}.
 وقع اختيار وودسون على الاسبوع الثاني من شهر شباط، كونه يتضمن يومي ميلاد الشخصيتين الأميركتين الاكثر، نضالا من اجل إلغاء العبودية والابرز تأثيرا في واقع الحياة الاجتماعية للسود، وهما الرئيس الاميركي السادس عشر ابراهام لنكولن ( 12 شباط 1809) الذي اصدر مرسوم تحرير العبيد في 1 كانون الثاني 1863، والصحافي المناهض للعبودية واهم المدافعين عن حقوق السود فردريك دوغلاس ( 14 شباط 1818).
 كانت فكرة وودسون ان يكون الاحتفال مقتصرا على الاسبوع الثاني من شهر شباط ثم توسعت في عام 1976 لتشمل الشهر كله، لما يحمل من ذكريات سعيدة ومؤلمة في تاريخ السود، وهي ولادة الزعيم الاجتماعي الاسود وليم ادوارد ديبوا الذي كرس حياته لمحاربة العنصرية (23 شباط 1868)، وصدور التعديل الخامس عشر للدستور الذي منح السود حق الانتخاب والترشيح في الانتخابات (3 شباط 1870)، واداء هيرام رودس ريفيلز اليمين القانونية بوصفه اول سيناتور اسود في مجلس الشيوخ، واداء جوزيف هايني ريني اليمين القانونية بوصفه اول عضو اسود في مجلس النواب ( 25 شباط 1870 )، وتأسيس الجمعية الوطنية لمناصرة السود في نيويورك (12 شباط 1909)، وذكرى اغتيال مالكوم اكس احد ابرز الناشطين السود المناهضين للعنصرية (21 شباط 1965 ).