ينابيع العطاء الحسيني

آراء 2021/08/24
...

  حسين الصدر    
 
- 1 -
أروعُ صور العطاء تجدها عند الامام الحسين (ع):
فلقد جاد بدمهِ، ووظّف كل قطرة منه لصيانة الاسلام من التحريف، وانقاذ الرسالة من يد العابثين الأمويين، وانتشال المظلومين والمعذبين من يد الطغيان والاستبداد الأموي.
وبهذه التضحيات الجسيمة حرّك أصحاب الضمائر الحيّة للنهوض بوجه الظالمين والمفسدين الى يوم الدين.
وعلى هذا فانّ ثورته تمتد مع الايام لتحطّم العروش والأصنام على يد أنصاره الحسينيين، الذين فهموا الحسين جهاداً مريراً من أجل اعلاء كلمة الله في الارض، وثباتا بوجه أعتى التحديات، وإصراراً على نصرة الحق وانقاذ المظلومين من براثن الظلم والاستبداد.
وبطولاتُ كربلاء نشيدٌ 
كل يوم لحونُه تُستعادُ 
لَوَّنَ الطفُّ صفحةَ الدهرِ ألواناً 
وللظالمينِ منها السوادُ 
- 2 -
ومن ينابيع عطائه الفذ تقديمه الاولاد والاخوة وأعز الاقربين والاصحاب قرابين 
وهو يقول:
انّ كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى.
بدمٍ جاد والشهيد جوادُ 
والبطولاتُ رأسهن الجهادُ 
لستُ أرثِيهِ فهو مالكُ كَنْزٍ 
مِنْ خلودٍ وموته ميلادُ 
- 3  – 
أما العطاء المادي فحدّث عنه ولا حرج:
جاءه رجل من الانصار يريد أنْ يسأله جاحة فقال له:
يا أخا الانصار:
صُنْ وجهك من ذُلّ المسأله، وارفع اليّ حاجتك في رقعة، فاني آتٍ فيها ما يسرك ان شاء الله.
فكتب اليه:
انّ لفلان عليّ خمسمائة دينار، وقد ألحَّ بي، فَكَلِمْهُ أنْ ينتطرني الى مَيْسرة. 
فلما قرأ الرقعة ابو عبد الله:
دخل الى منزله وأخرج صُرةً فيها ألف دينار وقال له:
هذه الف دينار، 
خمسمئة لقضاء دينك، 
والباقي تستعين بها على دهرك، ولا ترفع حاجتك الاّ الى ثلاثة:
الى ذي دِين، أو مروءة، أو حَسَب.
فأما ذو الدين فيصون دينه، واما ذو المروءة فانه يستحي لمروءته، 
وأما ذو الحسب فيعلم أنّك لم تكرم وجهك أنْ تبذله في حاجتك فهو يصون وجهك ان يردك بغير قضاء حاجتك. ونلاحظ:
1 – حرص الامام الحسين (ع) الشديد على صاحب الحاجة من أنْ يبذل ماء وجهه 
وهذا منتهى النبل والمروءة، ولقد سأله أنْ يعينه بمفاتحة الدائن لتأجيل استيفاء الدين فكان الجواب ان أعطاه ما يسد به دينه،
وما يقضى به حاجاته الاخرى.
لقد دفع له ضعف ما كان عليه من الدين وهذا منتهى الكرم 
2 – واقترن العطاء المادي هنا بعطاء آخر ليس من جِنْسِ العطاء الأول.
انه عطاء تربوي أخلاقي اجتماعي فَأرشَدَه الى الطريق الأصوب عند اشتداد الحاجة.
وهكذا كان العطاء الحسينيّ جزيلاً للغاية، ونبيلا حتى النهاية.
جاء في التاريخ (كما في تاريخ ابن عساكر):
انه كان يُحملُ اليه المال من البصرة وغيرها، فلا يقومُ من مكانه حتى يُفرقه على الفقراء بكامله.
وايُّ كرم وعطاء أبلغ من هذا العطاء؟
كان (ع) يعطي المال كله للفقراء ولا يبقي لنفسه منه شيئا.
وهذا منتهى الكرم والعطاء 
وأما العطاء الروحي فيكفي أنْ تمعن النظر في ما كان يقوله في مناجاته:
{اللهم اجعلني أخشاك كأني أراك، 
واجعل غناي في نفسي،
واليقين في قلبي،
والاخلاص في عملي،
والنور في بصري،
والبصيرة في ديني،
اللهم حاجتي التي إنْ اعطيتينها لم يضرني ما منعتني وإنْ منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني، أسألك فِكَاكَ رقبتي من النار يا أرحم الراحمين}.
ولمثل هذه المناجاة تخشع القلوب، وتهتز النفوس المؤمنة، وتفهم كيف يجب أن يكون المسار.
صلى الله عليك يا أبا عبد الله من إمام مجاهد ناصح، ومن منار مشع يضيء بفعله وقوله دروب الحياة.