القضاء والتظاهرات

آراء 2021/08/24
...

  سلام مكي
 
الحرية بلا ضوابط، تتحول إلى كلمة مرادفة لكلمة {الفوضى} لأن من أهم شروط ممارسة الحرية، هو ضمان عدم التعدي على حرية الآخرين وحقوقهم. ولعل التظاهر من أهم الحقوق التي كفلها الدستور، لأن من حق أي مواطن التعبير عن رأيه في مسألة ما، بالطرق السلمية، وبشرط عدم التعدي على حقوق الآخرين ولا ممتلكات الدولة. ورغم عدم وجود نص في الدستور ولا في القانون، يمنع من التظاهر ضد مؤسسة مهمة وخطيرة كالمؤسسة القضائية، إلا أن العرف والمنطق، يقولان بأن التظاهر أمام محكمة ما، مؤشر خطير على عدة أمور وقضايا، من أهم تلك القضايا، هو عدم إيمان الجماهير المتظاهرة باستقلالية القضاء، أو عدم فهمها لدور القضاء ومهمته، أو وجود جهات محركة للتظاهرات، تسعى للنيل من القضاء لغاية أكبر تتمثل في إشاعة الفوضى والجهل داخل المجتمع. 
فحين تتظاهر أمام محكمة ما، في يوم محاكمة موظف متهم في قضايا معينة، تطالب من القاضي بأن يحكم بأقصى العقوبات التي قد لا تنص عليها المادة المحال عليها ذلك الموظف، تطالب بإدانة المتهم، بغض النظر على مدى توفر الأدلة من عدمها. القاضي لا يحكم بعمله الشخصي، حتى لو كان يعرف جيدا، أن المتهم الماثل أمامه، فاسد، لا يمكنه أن يدينه، من دون أن تكون امامه أدلة معتبرة قانونا. الجماهير، لا تعرف هذا الأمر، تعرف أن على القاضي أن يحكم بسجن أو حبس الموظف المتهم، مهما كان حجم الأدلة المتحصلة ضده، ومدى كفايتها للإدانة. إن القاضي حين يحكم، فإنه يحكم وفق ما يمليه عليه القانون وضميره، وهنالك رقابة على أحكامه، تتمثل بمحكمة التمييز الاتحادية أو محكمة الاستئناف بصفتها التمييزية، وهنالك نائب المدعي العام، الذي يراقب المحكمة ويقدم دفوعه وطلباته ويطعن في القرار حين يراه مخالفا للقانون، وهنالك هيئة النزاهة تطعن في القرار في حال الافراج أو العقوبة غير الكافية، وهنالك الجهة المشتكية، كلها جهات تكون جزءا من المحكمة وتدافع عن المال العام في حال وجود ضرر أصابه. هذه الأساليب هي التي نص عليها القانون، أما أساليب الضغط والعنف، والتشهير بالقضاء، وبالقضاة، ومطالبة القاضي أو رئيس الاستئناف بطلبات غير قانونية، وإلا فعليه أن يستقيل، فهذه أمور تدل على أن صاحبها يريد الفوضى والخراب، يريد مؤسسات تعمل لصالحه ولصالح من معه. الدولة تبنى بالقانون، ومؤسسات الدولة يحميها القانون لا غيره، وحين يراد ترك القانون واللجوء إلى الجانب الآخر أي الفوضى، فهنا حري بالقضاء نفسه أن يتحرك لا ليحمي نفسه أو يدافع عن مؤسسته من الجهات التي تريد منه ما تريد، بل للدفاع عن الدولة برمتها، لأن وجود الدولة من وجود القضاء، ولا دولة بلا قضاء قوي ومستقل.