تقنية «IPTV» تهدد مستقبل القنوات الفضائيَّة العراقيَّة

علوم وتكنلوجيا 2021/08/24
...

 الدكتور صفد الشمري *
تتصاعد نوبات قلق المختصين من آثار نتاجات التقنيات الرقميَّة الآخذة بالتطور على مستقبل وسائل الإعلام التقليديَّة في العراق، ويكون أعلى مراتب الريبة من كسر الاندماج الرقمي للآليات العمل الإعلامي الروتيني، حيث اضطرت الإدارات الإعلاميَّة فيها إلى القبول بمتطلبات مجاراة آليات عمل الأوعية الرقميَّة، بعد كانت تجدها حتى وقتٍ قريبٍ صرعة فوضويَّة خارجة عن الضابط الاحترافي.
واقع الحال الجديد، يرى المعنيون فيه أنَّ شديد ضغطه حلّ على صحافتنا الورقيَّة، بشيوع الصحافة الإلكترونية، والتي دشّنت أدوات الذكاء الاصطناعي، وانتقلت إلى مرتبة الصحافة الذكية، أو ما يعرف بصحافة الجيل السابع، لكنَّ ما خفي كان أعظم، فبضغط المحتويات الرقمية الفديوية التي تقابل بأعلى مستويات عناية المستخدمين واهتماماتهم، وتدفقات سيل التطور الرقمي، يكون التلفزيون هو الهدف الأكثر حيويَّة، لا سيما مع تقنية «IPTV»، في عالم تدافع تطورات جودة الإنترنت بجيله الرابع بالعراق، الذي حلّ متأخراً بالقياس إلى باشرت بأجيال أكثر تقدماً وجودة في المنطقة.
 
ماذا تعرف عن «IPTV»؟
نقصد بتقنية «IPTV»، أو ما تسمى بتلفزيون «IP»، أو تلفزيون بروتوكول الإنترنت، نظاماً قائماً على توفير خدمة بث تلفزيوني رقميَّة، باستخدام بروتوكول الإنترنت IP عبر شبكات الحاسوب وباقي الأدوات الذكية المتاحة، وهي تعمل باستخدام خطوط الإنترنت ذات النطاق العريض «Broad Band»، ويتمحور الفرق الأساس بين هذه التقنية، وبين نظم التلفزيون التقليدية المعمول بها في العراق في استخدام شبكات الإنترنت بديلة عن طرائق البث التقليديَّة، عبر الأطباق والصحون الفضائية أو مرسلات البث التلفزيوني المحلية.
من حيث المبدأ، فإنَّ اشتغالات تلك التقنية تتمحور في ثلاثة مستويات رئيسة، يهتم الأول منها بالمحتويات الرقمية الفيديويَّة القصيرة ومنها محتويات يوتيوب، والثاني بالمحتوى الفديو الرقمي المتوسط الذي يتجسد ببعض الأفلام والبرامج التي يتم تناقلها عبرها، ويتجسد الأخير بالمحتوى الفديوي الرقمي الطويل، الذي يشمل بث مضامين القنوات التلفزيونية التقليدية التي بدأت بتوظيف تلك التقنية في أعمالها، ومنها «BBC» على الصعيد الدولي، و»MBC»، على المستوى الأقليمي، كما يجري بث بعض مقاطع الفيديو الطويلة المرتبطة بأحداثٍ معينة.
وبذا، يمكن للقنوات الفضائيَّة الإفادة من تلك التقنيَّة عن طريق ما يعرف بخدمة «Catch-up TV»، والتي تمكّن المستخدم من متابعة محتوى تلفزيوني معين خارج توقيت بثه، في حال عدم تمكنه من مشاهدته بوقت بثه الأصلي، حيث تتوافر التقنيَّة على خاصيَّة حفظ مقاطع المحتويات الفيديويَّة على حاسوب المتحكم من دون الحاجة الى تنزيل المقاطع، الأمر الذي يجعلها جاهزة للمشاهدة.
لقد صممت نظم تلك التقنية في أساسها لمشاهدة القنوات المفضلة للمستخدم، على شاشة التلفزيون الذكية «Smart TV»، والأجهزة واللوائح الذكية، وأجهزة الحاسوب الشخصي، بأي وقت ومن أية نقطة في العالم، بعد أنْ تتم إضافة التطبيقات الرقميَّة المتاحة في المتاجر الالكترونية لتشغيل النظام بجهاز المستخدم، وعلى تعدد مستويات الجودة، وإنْ كانت HD»»، أو «SD»، أو 4K»»، أو غير ذلك، وبحسب مقدار جودة الإنترنت المتوفر عنده، وهي تقنيَّة تكون متاحة لطالبيها فقط، الأمر الذي يزيد من فرص حمايتها الرقميَّة، بينما تكون للمستخدم شفرته الخاصة باسم وكلمة مرور يحددها، وتوفر له مساحة تفاعلية كبيرة، شأنها شأن أي محتوى رقمي آخر يتعاطى معه في وسائط التواصل الاجتماعي.
وتختلف تقنية «IPTV» عن نظام تليفزيون الإنترنت في أنَّ تلك التقنية تستخدم فيه شبكات خاصة منفصلة مثل الشبكات المحلية «LANS» في حين إنَّ تلفزيون الإنترنت يعمل على شبكة الإنترنت، وتعود تسمية النظام إلى اختصار Internet Protocol Televisio»، أي التلفاز عبر بروتوكول الإنترنت.
ومن مميزاتها فإنَّ التعامل مع خدماتها لن تضطرك إلى تركيب الصحون الهوائية وصيانتها، ولا تتأثر بمشكلات الطقس، وإنَّ القنوات التي يمكنك مشاهدتها عبرها غير محدودة، ولن تكون مضطراً لإدارة الصحن الهوائي كل مرة لمشاهدة قنوات جديدة عبر أقمارٍ صناعية متعددة، بل يمكنك فقط تحديث راوبط «IPTV» الخاصة بك لإضافة العدد الذي تريده من القنوات.
أما عن سلبياته، فإنَّ هذه التقنية تتطلب سرعة إنترنت بجودة تبدأ من متوسطة إلى جيدة، فإنْ كنت تمتلك 4 ميغا فقد تواجه أحياناً بعض المشكلات في مستوى الجودة، بالقياس إلى 12 ميغا التي يمكن أنْ تفي بالغرض لتوفر جودة بث عالية، وقد أصبحت هذه التقنية منتشرة بكثرة، ما يسهل الحصول عليها، فأغلب أجهزة الاستقبال أصبحث تدعمها الآن، ويكفي فقط قبل الشراء أنْ يبحث المتلقي عن عبارة IPTV، التي يمكنه أنْ يجدها في العلبة الخاصة بجهاز الاستقبال، أو أنْ يسأل البائع عن دعم تلك التقنية، ومن ثم تشغيلها عبر عددٍ من التطبيقات.
 
ماذا عن «الشيرنج»؟
يتجسد الفرق بين هذا النظام، وبين (شيرنج)، في أنَّ الأخير يتجسد بفك شفرات القنوات المشفرة وهو ينقل الشفرة فقط، ولذلك هو لا يعمل من دون طبق أو صحن فضائي، أي أنَّه يحتاج إلى بث مضامين قناة تقليديَّة عبر ترددات الإرسال المعلنة في جهاز الاستقبال الخاص به، ويعمل على فتح بعض القنوات المشفرة في الباقات العربيَّة والأوروبيَّة والأجنبيَّة على الأقمار المتوفرة ضمن مساحة استقبال تلك الأقمار، وبدعم من خواص الإنترنت، وهو لا يحتاج إلى إنترنت عالي الجودة، إذ يمكن أنْ يعمل على أقل سرعة إنترنت، ويحتاج إلى طبق هوائي لاستقبال إشارة القنوات، كما أنَّ قنوات (الشيرنج) تقوم بالفتح بطريقة عادية مع قائمة القنوات العادية على (رسيفر)، ويشترط لعملها (رسيفر) يحتوي على تلك الخاصية.
أما نظام IPTV فهو ينقل الصوت والصورة عبر الإنترنت، ولذلك هو لا يحتاج إلى طبق هوائي ولكن يحتاج إلى سرعة إنترنت عالية، كما أنه يقوم بفتح قنوات كثيرة مشفرة وغير مشفرة على الأقمار الصناعيَّة، وأهمها القنوات الرياضيَّة والأفلام العالميَّة المترجمة والمنوعات والقنوات الإخباريَّة وغيرها من الباقات العربيَّة والأجنبيَّة ومكتبات الأفلام.
 
العراق وتقنية «IPTV»
لا تكمن مخاطر تلك التقنية في الأهداف التي يتم الإعلان عنها، بدعم إيصال المضامين التلفزيونيَّة من مناطق مختلفة في العالم، لا يمكن للأقمار الاصطناعيَّة بثها بالمناهج التقليديَّة، بحسب مساحات التغطية التقليديَّة للأقمار الاصطناعي، ومنها «نايل سات»، و»عرب سات»، و»بدر سات»، بالنسبة لدول المنطقة، وإنما في إمكانية تأسيس قنوات فضائيَّة بشروط أقل احترافيَّة بالخروج عن السياقات المعروفة لعمل الفضائيات في العالم، حين يمكن بث أي مضامين تلفزيونيَّة عبر تلك التقنية من غرف صغيرة في أي مكان من العالم، بمعونة عددٍ من التطبيقات والتقنيات التي توفر خدمات الاستوديوهات الافتراضيَّة.
بداية استخدام العراق لهذه التقنية لم تكن مع القنوات الفضائيَة العراقيَّة التقليديَّة، وإنما عبر استحداث قناة تختص بأوضاع الجاليات العراقيَّة في الخارج، اعتمدت بالكامل على خواص تلك التقنية، أي أنها ليست قناة فضائية بالمفهوم المتعارف عليه في العراق، إلا ان بثها يمكن أنْ يصل لجميع دول العالم.
لقد جرى تأسيس قناة حملت اسم «موزائيكا»، في مدينة ملبورن الاسترالية عام 2017، ومن ثم فتحت مكتباً لها في كندا لتغطية نشاطات الجاليات في كندا والولايات المتحدة الأميركيَّة، ولها برامج من عددٍ من دول المنطقة ومنها مصر، ترتبط بالمجالات الفنية والثقافية والإبداعية وتغطية المهرجانات، إذ تهتم القناة بالثقافات المتعددة دينياً وقومياً.
إنَّ الجوانب الإيجابيَّة في هذا النظام لا يلغي مخاطر تلك التقنية على مستقبل التلفزيون في العراق الذي لم يتعاط معها حتى اليوم، ولم يستفد من قدراتها في إيصال المضامين التلفزيونيَّة المحلية الى بقاع الأرض المختلفة.
فالتلفزيون في العراق صار مهدداً هو الآخر، وبه أشد الحاجة للدرس والنقاش في مستقبله المنظور تحت ضغط التقدم الرقمي، ولا نقصد هنا بانشغال المتلقين بمطالعة المحتويات الرقمية الفيديوية المسجلة والمباشرة عبر هواتفهم المحمولة ولوائحهم الذكية عبر مواقع الإنترنت ووسائط التواصل الاجتماعي المتعددة، فالأمر في تلك الحدود يكاد يكون بسيطاً للغاية في مقابل ما ينتظر التلفزيون من مخاطر قد تقضي عليه بالكامل، شأنه شأن صحافة الورق التي يجمع أغلب المعنيين على تراجعها بمعدلات كبيرة ومتسارعة، على الرغم من أهميتها وفاعليتها في المجتمعات.
لقد صار ممكناً توظيف تقنية «IPTV» في جميع الخدمات التي تتيحها وسائط التواصل الاجتماعي، وفي مقدمتها فيسبوك ويوتيوب وتيك توك وغيرها، والمرتطبة بتسهيل بث المحتويات الرقمية الفيديوية على سبيل البث المباشر، أو حفلات المشاهدة الجماعية، أو غرف الدردشة الصوتية، أو المحتويات الرقمية الفيديوية المحملة أو تلك التي يجري مشاركتها من مواقع إلكترونية وحساب اجتماعية متعددة، للدرجة التي صار يمكن بوساطتها إنشاء محطة تلفزيونية متكاملة، عبارة عن حاسوب وكاميرا ومبرمج مقتدر من التطبيقات الرقمية التي تؤهله لتنفيذ محتويات رقمية فيديوية، فضلاً عن خط انترنت بسعة عالية.
نعم، يمكن اليوم حتى للمنصات الرقمية العاملة في العراق، والتي تستحوذ على مشتركين ومتابعين يصلون إلى الملايين تحويل اعمالهم بتقنية «IPTV» إلى عمل تلفزيوني متكامل، لا يحتاج إلى استوديوهات عملاقة وتكاليف انتاج ضخمة، ولا حتى حجز ترددات عبر الأقمار الاصطناعية الإقليمية، أو بث محلي عبر شبكات البث الأرضية.
ويزيد من مخاطر تلك التقنية في امكانية ان يكون بديلاً عن تلك القنوات بالكامل، ويصير ممكنا لأية جهة انشاء قناة تلفزيونية تبث من أي نقطة إلى أية نقطة، وقد يصعب حتى تحديد مكان بثها بالإفادة من تطبيقات «Fake gps»، التي يمكنها أنْ تحيد موقع إرسال المحتويات الرقمية من مكانها الحقيقي، إلى أي مكان آخر غير حقيقي في هذا العالم، بمسعى التمويه، ناهيك عن مخاطر توظيف تطبيقات التزييف العميق «Deep Fake» التي وفرها الذكاء الاصطناعي ومكّنها من صناعة محتويات فيديويّة رقميّة مفبركة لا أصل لها على أرض الواقع.
* خبير التواصل الرقمي