الشتات وسايكولوجيا الاضطهاد

آراء 2021/08/26
...

 د. علي المرهج
يرتبط مفهوم {الشتات} بالشعور بالاضطهاد بوجود نظام سلطة قاهرة تُميَز بين أفراد المجتمع، إما على أساس ديني أو عرقي أو طائفي مذهبي فيه (حمولة) شعور جماعات {الشتات} المُضطهدة بالتهميش، الذي يكتنز بين طياته في وعيهم ولا وعيهم أن الأغلبية تنظر لهم باحتقار. 
فهي بتحصيل الحاصل تشعر أنها جماعات مُحتقرة أو على الأقل أنه شعور يصل لدرجة الوصف أنه (مرضي)، بسبب عُنف السلطة تارة أو بسبب توظيف قوى الممانعة من هذه الجماعات التي تعمل على تغذية هذه الشعور. نجد هذا المفهوم أكثر تجلياً عند الأقليات والجماعات الأثنية التي لا تقبل بانصهار أصحابها في (الهوية الوطنية).
روَج اليهود لهذا المفهوم أو مضمونه، فوصف الصهاينة كل يهودي ولد خارج فلسطين بأنه مهاجر! وينبغي أن يعود بعد هجرة في (بلاد الشتات) لوطنه فلسطين!.
تشعب استخدام المفهوم، فصار كل جماعة أو أقلية أثنية في مُجتمع ما تشعر أنها مُضطهدة أو أنها واقعا مُضطهدة توَظف هذا المفهوم لغرض إثبات مظلوميتها، ففي فلسطين بعد أن مكنت قوى الاستعمار والإمبريالية اليهود منها، صار اليهود هُم مجتمع السلطة بعد "شتات" وتبدلت الأدوار بينهم وبين عرب فلسطين، ليكون هؤلاء هُم من شتتهم هذه القوى وجعلتهم يعيشون في مناطق شتى، فتبدلَت الأدوار وتغيَر الحال، فحلَ مفهوم "الشتات" بديلاً عن مفهوم "المنفى"، لأن "المنفى" يُمكن أن يكون داخل الوطن لنجعله رديفاً لمفهوم "الاستلاب"، ولكن مفهوم "الشتات" فيه دلالة أمضى للتعبير عن "التيه" و"الضياع" لجماعات كانت مُتساكنة، وشُتت أهلها بفعل فاعل، فالمنفى قصدي وإرادي ـ ربماـ وكذا الحال في "الاستلاب" ولكن "الشتات" فعل قصدي من جهة أقوى لها سلطة قاهرة على جماعة مغلوب على أمرها!.
عاش الفلسطينيون في مُجتمعات "الشتات" بعد أن تبدلت الأدوار بفعل فاعل (إمبريالي، شايلوكي، كولنيالي، روبسن كروزي، قاروني) بعبارات مُستعارة من (مدني صالح). 
ولا أجد فارقاً كبيراً بين الظلم والاضطهاد رغم محاولات البعض للتمييز بينهما، فالمظلوم هو المُضطهد والمقهور، وكلاهما يؤدي بالفرد والجماعة لنبذ الآخر (السلطة)، على قاعدة "لكل فعل ردَ فعل" وليس شرطاً أن يكون هذا الشعور له مصداق واقعي، بل يُمكن تنميته باللعب على وتر التمايز العرقي أو الديني أو المذهبي أو الجنسي يؤدي إلى الشعور بالقهر والظلم، وهما نوعان يختلفان في المُسمى ويشتركان في المضمون
الإنسان المُضطهد (بفتح الطاء) هو الذي يشعر بـ (الاغتراب) وهو في بلده أحياناً، مُغيَب العقل بفعل التأثير "الأفيوني" حين قُمِع نزوعه المذهبي أو الديني بقصدية، فعومل على أنه كائن (لا مُنتمي) بتعبير (كولن ولسن)، وهو بالفعل كذلك بحُكم قهر السُلطة.
حينما يزداد قهر الجماعات واضطهادها تزداد عكسياً هذه الجماعات في كرهها للوطن، والبحث عن تأييد خارجي لها يحفظ حقها في العيش، الذي منعته عنها جماعات السلطة بكل تمظهراتها، لتجد بعضًا أو كثيرًا من ولاءات هذه الجماعات المقهورة والمظلومة تُدين وتعمل على نشر أيديولوجيا وعقيدة لها فاعليتها وحضورها خارج متطلبات ومُقتضيات الهوية الوطنية.
تبحث هذه الجماعات المُضطهدة عن مشابه عقائدي لها أو ديني أو عرقي أو أيديولوجي، وربما كل هذه المشتركات معاً تجدها في داعم لها خارج حدود الوطن، ليتحول نضالها للاعتراف بحقها في المساواة لولاء لآخر يستغل مشاعر القهر والحرمان التي عاشتها هذه الجماعات بسبب قمع السلطة تارة، وطاعتها لقادة مأجورين أحسنوا الظن بهم تارة أخرى.
الجماعات المُضطهدة جماعات تختلط فيها مشاعر المحبة مع مشاعر الكُره، فبلحظة تجدهم محبون لأنك صرَحت بقول يُداعب مشاعرهم (الأيديولوجية أو المذهبية أو العرقية).