تمكين الممكن

آراء 2021/08/30
...

   ابراهيم سبتي 
قبل ايام تابعت اوراق معاملة خاصة في دائرة تابعة لاحدى الوزارات، وقد لفت نظري قيام الموظف الشاب المختص بمتابعة الاجراءات الادارية والتعامل معها بمهنية، ثم حوّلها الى موظف شاب آخر، وكان حريصا ومتفانيا هو الاخر وتسابق مع الوقت لإنجاز ما تبقى. خرجت من الدائرة شاكرا ومنتشيا بما رأيت ولمست. 
 
ذكّرني هذا الموقف بأول ايامي مدرسّا حين كنا نعمل بهمة وحماس ولم نعرف الوقت مهما كان ثقيلا لرغبة منّا في تقديم الافضل وما يمليه علينا الواجب والضمير. ان الدول تنجح وتنمو باهتمامها الاول بالشباب لانهم يؤدون دورا بالغ الاهمية والتأثير في التطور والتقدم، خاصة انهم في هذا العصر العجائبي، افضل من غيرهم بإجادتهم لمفردات وحيثيات التقنية الحديثة وولعهم بها وربما حتى الابداع فيها. الاهتمام بالشباب كفئة عمرية لا يقتصر على الزج بهم في الرياضة مثلا او الاهتمامات القريبة، انما في جميع مجالات الحياة الاخرى التي تريد دماء متجددة للنمو والتطور والابداع. 
وتحقيق حلم اية دولة طامحة للتقدم في هذا العصر السريع، يتطلب الاعتماد على فئة الشباب، خاصة في بعض المجالات التي تتطلب تقديم خدمة عامة للجمهور وفي تماس مباشر معهم، لأنهم يستطيعون وبكل مرونة التعامل مع الفئات الاكبر سنا باحترام واخلاص وظيفي كما لمسته شخصيا. 
واعتقد ان الموظف الشاب، بمقدوره تحمل عناء العمل بعكس ما يتصور البعض من انه يعجز عن ذلك وهو الامر الذي لا نستطيع اعمامه على الكل بطبيعة الحال. انها متطلبات التطور المجتمعي الذي يدفع الى تطور الدولة امام ما يجري اليوم من قفزات تقنية في عالم ربطته اذرع الشبكة العنكبوتية، وصار مدينة صغيرة تدار وفق مفاهيم الذكاء الصناعي المدهش. وبالتالي فان كل انماط الحياة ستتغير حتما بناء على متغيرات الزمن الذي يسير باضطراد ومن الصعوبة بمكان اللحاق ببعض تفاصيله. فاصبح الشباب هم من يديرون الوضع التقني بعقول وارادة نابعة من اسناد ودعم الخبراء الاكبر سنا والاقدم و الاكثر كفاءة والذين هم في كل الاحوال ركيزة قوية، لكل اسس بناء يضعها الشباب في هرم المسؤولية والنجاح والجرأة في التصرف المفيد. 
اما ما يتطلبه العمل الراهن لدعم حرص وموهبة الشاب المنتج، فهو القرار الجريء والمسؤول وازاحة كل العراقيل التي تكبّل العمل وبلوغ الهدف. وما يحدث الان في دوائر الدولة من نبض متجدد (واقصد هنا بعضها) لهو مؤشر واضح تمام الوضوح بان الاعمال مهما كانت مستوياتها يمكن تذليلها بوجود ارادة وجهد خيّر وايجابي ونظرة واثقة، لتقديم الافضل والاجود دائما وهو ما يستوجب وجود بعض الخبرات والكفاءات التي تتواجد في امكنتها المناسبة. وبالتالي ستكون مبدعة ومبتكرة واكثر التصاقا بعملها. 
ان وجود الموظف الاكثر خدمة وخبرة والاكبر سنا، يمكن ان يدعم هؤلاء الشباب الذين صاروا يتوزعون بين دوائر ومؤسسات الدولة، رغم ان الاحالة على التقاعد ستصيب الموظف الاقدم في نهاية المطاف، فان من سينوب عنهم بالتأكيد هم من سيلعبون دورا مهما ومتمكنا في تسيير امور العمل والانتاج لاحقا، وبالتالي سيكونون اكثر خبرة ومرانا مع تقدم سنوات الوظيفة بهم. 
ان التقاعد لا ينبغي له ان يؤثر ولو نسبيا في اعاقة العمل باعتبار ان الخبرة ستنتقل الى الموظف الاصغر سنا، وهو من سيتولى امر منح خبرته وكفاءته الى من سيأتي لاحقا وهكذا، كما فعل الموظف الذي قبله. وكل المؤشرات الملموسة تدل على استمرارية وتجدد العقول المخلصة في ادامة زخم العمل، وبالتالي انجاح الجهد 
تجدد العطاء والبذل المصحوب بالكفاءة والرغبة في التمكين وتقديم ما هو اكثر فائدة من خلال المساندة والمعاضدة البنّاءة، والتي همها الوحيد هو تمسكها بوطنيتها، هكذا هم الشباب الذين يمثلون راهن الامة ومصيرها 
مستقبلا.