محمد كريم الخاقاني
تعد الدبلوماسية الرقمية واحدة من أكثر وسائل تنفيذ السياسة الخارجية تأثيراً في وقتنا الحالي، ويظهر ذلك جلياً بعدم مجاراة القوى الكبرى المتحكمة في النظام الدولي لتأثيرات الإعلام ومحاولات السيطرة عليه، وعليه دخل الإعلام الرقمي في ميادين تنفيذ السياسات الخارجية للدول، فأضحت لاعباً جديدا لا يمكن تجاهل تأثيراته بحكم انتشار القنوات الفضائية وشبكات التواصل الاجتماعي ومنتديات الحوار الإلكتروني وغيرها من انواع الإعلام الإلكتروني الجديد.
ومع تطور وسائل التواصل بفضل الإنترنت والسوشيال ميديا بشكل خاص، اصبح تأثير العالم الرقمي اكثر واقوى من ذي قبل وبالخصوص في ميادين السياسة الدولية وتفاعلاتها، فقد منحت وسائل التواصل الإلكترونية شعوب العالم القوة اللازمة عبر وضع المسؤولين عن الملفات السياسية اي العاملين في السياسة من رجال دولة ووزراء وغيرهم تحت مراقبة تلك الوسائل الإعلامية، ورصد ومتابعة مواقفهم واحاديثهم، وهذا لم يكن متاحاً في العقود الماضية اي بعد الثورة الإلكترونية الكبرى في نهايات القرن الماضي والاكتفاء بوسائل الإعلام الاعتيادية.
ويمكن القول بـأن تأثير الإعلام الرقمي في مجال العلاقات الدولية يبرز بشكل واضح في مدى قدرة الوسائل الإعلامية في تقديم الخبر الخارجي، عبر تقنيات دمج محتوى الخبر مع تقنيات الصورة وتقديمه بصورة سلسة ومن دون تكلف بحيث يكون تمازج الصورة المعروضة منسجماً مع الخبر المعروض عبر وسيلة الإعلام هذا من جانب، ومن جانب آخر نجد بأن الوسائل الإلكترونية اتاحت لنا في عالم السوشيال ميديا القدرة على نشر معلومات جديدة ومباشرة من مصدر الحدث في ما يخص الشؤون الدولية وفي وقت قصير جداً. بالمقارنة مع وسائل الإعلام التقليدية، اي اختصار الوقت لنقل الصورة ومن مصدرها مباشرة، اعتماداً على توظيف الوسيلة الإلكترونية في نقل الحدث، فضلاً عن السهولة في فهم تطورات الحدث بصورة مبسطة وبعيدة عن التعقيد وإمكانية تداوله بيسر ومن دون مشقة.
وشاع في وقتنا الحاضر استخدام مصطلحات ومفاهيم لم تكن متداولة بشكل واسع في السابق مثل الدبلوماسية الرقمية ودبلوماسية وسائل التواصل الاجتماعي الإلكترونية كتطبيقات تويتر وفيس بوك، والكثير من التسميات والتي مثلت بحد ذاتها تغيراً في كيفية التعامل مع وسائل الإعلام بصيغتها الجديدة، وعبّرت عن تحولات في مجال الإعلام بوصفها فاعلاً ومؤثراً جديداً. ولعلنا لا نبالغ في أن أبرز تأثير يمكن تلمسه في مجال التحول الجديد للإعلام يتعلق بمدى قوة تأثيرها في الرأي العام وإنعكاساته على رسم سياسات الدول خارجياً، فالإعلام كوسيلة تأثير هي مرآة للواقع الذي تعيشه الدول داخلياً، ومن ثم يمكن معرفة توجهات الرأي العام الداخلي من خلال تصفح المواقع الإلكترونية بمختلف تطبيقات التواصل الاجتماعي وللقضايا التي تحوز على اهتمامات الجمهور، ويطبق هذا الحال كذلك على تأثيرات وسائل الإعلام خارجياً عبر تسليط الضوء على قضايا سياسية باتت تشغل الرأي العام الخارجي كقضايا الإرهاب والهجرة وتغير المناخ وغيرها.
ويعد استخدام وسائل التواصل الرقمي بمختلف تطبيقاتها دليلاً على مدى تمتع الدول بقوتها، فلم تعد النظرة الى قياس قوة الدول يُنظر اليها بمعيار القوة الصلبة اي القوة العسكرية، فضلاً عن الأدوات الاقتصادية وغيرها من مقومات قياس القوة التقليدية، بل اصبحت قوتها تقاس عبر مدى إحداثها للتأثير في وسائل التواصل الرقمي.
ومع تزايد التأثيرات التي تؤديها وسائل الإعلام في السياسة الدولية، باتت تلك الوسيلة تقوم بدور دبلوماسي مساند للوظائف التقليدية التي تضطلع بها الدولة في المحيط الخارجي، إذ لا يخفى مدى تمتع وسائل الإعلام الجديدة بميزة التجاوب والتفاعل مع ما يطرأ من متغيرات في السياسة الدولية، فأصبحت وبفعل سرعة انتشارها وإمكانية تداولها بسهولة تامة وزيادة المعلومات التي يعتمدها الدبلوماسي في تقييم المواقف السياسية، وكذلك في تقديراته وتحليلاته لما يستجد من المواقف والأحداث على مستوى العالم، وذلك من خلال توافر ميزة التباحث والتداول بين مختلف الأطراف، سواء كانوا صانعي قرار أو على مستوى رسم السياسة الخارجية كخبراء أو من خلال تفاعل أفراد المجتمع في ما بينهم، فلقد وفرت المنصات الحوارية والمجموعات التفاعلية ميزة مضافة لتحليل واستخلاص اهم النتائج والتحليلات لمختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك، فعن طريقها يتم تبادل الرؤى والأفكار ووجهات النظر، إذ عملت وسائل الرقمي على تقليص المسافات وتقريبها والعمل على إيجاد مساحات للحوار بين الأطراف المختلفة، فمن خلال استخدام أدوات التواصل الرقمي يمكن ان يجلس الخصوم لطرح وجهات نظرهم للقضايا التنازع عليها، ويمكن تلمس ذلك في التمثيل الدبلوماسي بشكل افتراضي وعبر إستخدام شبكات التواصل الرقمي، إذ تمثل تلك الشبكات منصات تفاعلية للحوار بين الخصوم، حتى وإن لم يكن على أرض الواقع كوسيلة لتبادل وجهات النظر بينهم، وصولاً لتحقيق الهدف الاساس المتمثل بالحفاظ على السلك والأمن الدوليين، ولعلنا لا نبالغ في تصوير أهمية استخدام الوسائل الرقمية مع تزايد انتشار جائحة كورونا، إذ انتهجت الدول طريق عقد المؤتمرات والإجتماعات وعلى مختلف الأصعدة عبر الدعوة لعقدها على مستوى العالم الافتراضي، المتمثل باللجوء الى تطبيقات رقمية عملت على تقريب المسافات وتبادل الأفكار وذلك عبر كبسة زر، إذ أسهمت تلك التقنيات الرقمية على تواصل الدول عبرها وصولاً لتحقيق أهدافها، وعليه يمكن القول بأن الظروف الاستثنائية، التي فرضتها انتشار جائحة كورونا قد عملت الدول على استثمارها بشكل جيد، من خلال تواصل فعالياتها السياسية والإقتصادية وغيرها عبر استخدام وسائل التواصل الرقمي.