الدولة واللادولة

آراء 2021/09/01
...

  ماهر عبد جودة
 
منذ أن بدأت مجتمعات الأرض تتجاور وتتعايش تارة، وتختلف وتتصارع تارة أخرى، وهي تحاول أن توجد إطارا قانونيا ملزما للجميع، تؤديه سلطة سياسية نافذة ومتفق عليها،  ضمن رقعة جغرافية محددا، يضمن لهم حياتهم وممتلكاتهم، ويوفر لهم سيادة رقعتهم الجغرافية، بالتصدي للاعداء الخارجيين، وتحقيق الأمن في الداخل بنشر الأمان وتحقيق العدالة ومعاقبة الخارجين على القانون وسلطة الدولة. 
واتخذت تلك الدول شكل كيانات مختلفة، تارة امبراطوريات أو ممالك إلى أن استقرت على شكل الدولة الحديثة القائمة على ركائز الأرض والسكان(الشعب) والسلطات والدستور والعملة الوطنية. ووظيفة الدولة بالدرجة الاولى سن القوانين والقواعد والأنظمة ومعاقبة من يتجاهلها ويثب عليها ويهدد أمنها ومصالحها العليا، من خلال وسائل القوة والاكراه التي تمتلكها، ولا يحق لأي طرف آخر أن يمتلكها ويجبر الآخرين على الخضوع لسطوتها وقوانينها. 
فالدولة بدستورها المعلن والمتفق عليه بأي شكل كان من قبل الشعب، تمثل مجمل المؤسسات المنظمة للعلاقة بين افراد الشعب في علاقتهم مع بعضهم البعض ومع مؤسسات الدولة المختلفة، وعلاقة الدولة وكيانها السياسي الخاص بها، مع الدول الاحنبية الأخرى المحاددة للدولة أو تلك البعيدة عنها، لضمان السيادة وديمومة المصالح المختلفة، وعقد الاتفاقات وابرامها، سواء العسكرية أو التجارية أو المالية والتنسيق وعلى مستوى عال. ففي ظل دولة بسلطات قانونية ودستورية، سيعرف أفراد الشعب بمختلف مشاربهم مالهم من حقوق وماعليهم من واجبات، مع توفير جميع مستلزمات النهوض بالواقع الاقتصادي والفكري والثقافي، ومنح الحريات المختلفة لخلق فكرة وطنية جامعة للقضاء على كل الثقافات الانعزالية والمتقوقعة وغير المؤمنة ببناء دولة حديثة ومتقدمة. 
اما فكرة اللا دولة والتي يطلق عليها أحيانا، الدولة غير الرسمية، فهي المؤلفة من عدة أطراف أو جماعات، تخوض صراعا مع الدولة الرسمية. وتنازعها السيطرة على مراكز السلطة والنفوذ، وهي لهذا تجدها داخل الدولة وخارج الدولة بفرض تصورتها واجنداتها المختلفة، اي القيام بكل ما تستطيع لتقويض الدستور وسلطة القانون، وايقاف العمل بالسلطات التشريعية والقضائية والعبث بوحدة البلد واستقراره، وانشاء كياناتها الخاصة بها وفرضها بالعنف والتعسف. 
المسؤولية تاريخية وعلى السلطات والنخب الدينية والوطنية الفاعلة ومنظمات المجتمع المدني ومراكز الفكر، الإشارة لتلك الظاهرة ووئدها قبل استفحالها وتغولها وتحول العراق لا سمح الله إلى دولة ممزقة تحكمها الجماعات المسلحة بمنطق الأجندات الغريبة وغير الوطنية.