في الأصولية والسلفيَّة

آراء 2021/09/01
...

 د. علي المرهج
 
الأصولية تعني العودة للجذور أو للأصل، وهو في جذره يحمل معنى (العودة إلى أصول الدين) والالتزام بـ (أصول الفقه) وقواد استنباطها.
في الفضاء العام يحمل دلالة سلبية في مُعجمية التداول الفكري والاجتماعي والسياسي، لما عُرف عن دُعاته كل حسب اختلاف نزعته الأصولية من نزوع نحو الاكتفاء بالأصل بوصفه عقيدة مُتزمتة، أو عُقدة تمايزية تقوم على الاعتقاد بتفوق {الأنا} بوصفها هي {الأصل} على {الآخر} {الفرع}، الذي هو خارج ترسيمات الأنا بنقائها التكويني: العرقي، أو اللوني، أو المعرفي، أو الديني.. الخ. أو هو سعي لتأصيل الأعراف والأحكام العملية الجُزئية إلى قواعد كُلية، وفق مبادئ التشريع الإسلامي عبر تبويبها أو تأويلها على وفق أصول شرعية مُستنبطة من القرآن، أو من السنة والنبوية وسيرة الصحابة والتابعين أو وفق قياس (التشبيه) الفقهي. 
الأصولية جماعة تحسب نفسها أنها تمتلك الجواب على كل سؤال، وهي بهذا المعنى لا تشمل الاتجاهات الدينية فقط، بل تشمل أيضاً بعض الاتجاهات {العلموية}، التي ذهب أصحابها لترسيخ الإيمان بمقولات العلم وحده، والاستخاف أو اقصاء باقي اهتمامات الإنسان الأخرى!.
علا نجم الأصولية أو السلفية مع حسن البنا حينما أسس جماعة (الأخوان المُسلمين)، رغم أن في اليهودية والمسيحية أصولية أشد وأعتى، ولكن الأصولية الإسلامية أثبتت حضورها وتأثيرها في المجتمعات العربية والإسلامية، وهي حركة ارتبطت من جهة الوجود المؤثر عند (راديكاليي) المذهب السُني، ولكنها بدَت أكثر (راديكالية) عند الشيعة مع بزوغ نجم الشيعة في إيران وانتصار (الثورة الإسلامية) وتبني أصحابها لفكرة (ولاية الفقيه) وتصدير الثورة.
في الفكر الأصولي الديني هُناك سيد وعبد، السيد هو من بيده مفاتيح الوعي الأصولي وتنميته في وجدان الاتباع، وهي بمضمونها نظرة استعلائية تُقصي "الآخر" بوصفه هامشاً أو (عبداً) وإن لم يقبل فهو من يستحق العقاب لأنه لم يُدرك مرامي هؤلاء الدُعاة من الذي يوهمون أتباعهم، أنهم يمتلكون مفاتيح الغيب الذين لهم القُدرة على فتح أبواب الجنة كي تكون مُشرعة بوجوه أتباعهم، وتُغلق في وجوه أعدائهم ومن لم يُصغ لهم أو لم يتَبع فتواهم.
وهناك فكر أصولي {علموي} يجعل أصحابه من العلم مُعتقداً أحادياً لتفسير الوجود وعلاقة الإنسان به وبالميتافيزيقا، وقد عدَ غارودي مثل هذه المذاهب {العلموية التوتاليتارية} هي مذاهب قديمة، لا وزن لها لأنها تقوم على تصور بائد للعلم كما يرى جارودي في كتابه (الأصوليات المعاصرة).
الأصوليون بتحصيل الحاصل ماضويون، يعيشون الحاضر وأعينهم وآذانهم مشدودة للماضي، هُم بعبابرة محمد عابد الجابري "كائنات تراثية"، لا يرون في الحاضر من أفق للسعادة خارج مقياس انطباقه مع الماضي، لأن الماضي عندهم بعبارة فهمي جدعان في كتابه (نظرية التراث) هو {العصر الذي يُجسَد الخير المُطلق}. 
ـ الجمود والتقوقع ـ رفض التكيف وعدم الاستجابة لمعطيات الحضارة الحديثة في التقدم والتطور ـ العودة إلى الماضي والركون إليه ـ الانغلاق وعدم التسامح.
يُنكر الأصوليون والسلفيون كل مقومات الدولة الغربية الحديثة، لأنهم يعتقدون بأنها دولة تقوم على النزوع المادي لا الروحي، ولا قيمة للمادية بلا نزعة روحية تفض جمودها، والدولة الإسلامية هي وحدها القادرة على أن تُهيئ لهذا الأمر! كما يشرح (فهمي جدعان) في كتابه (الماضي في الحاضر) رؤية تقي الدين النبهاني مؤسس حزب التحرير الإسلامي، الذي كتب كتاباً بعنوان (الدولة الإسلامية)، سار فيه على خُطى ورؤى الأخوان المُسلمين في التمييز بين (ديار الكُفر) و (ديار الإيمان)، وتأكيده على أن الإسلام دين يقوم على الدولة، وسعي لتأسيس "دولة روحية".