ضمانات حقوق الانسان على صعيد المؤسسات غير الحكومية

آراء 2021/09/05
...

 د.اركان كيلان
    مر الاهتمام بحقوق الانسان بمراحل تطور مختلفة، وابتداء يجب ان نفرق بين حقوق الانسان المرتبطة بطبيعته الانسانية والملازمة له والتي وجدت مذ أن خلقه الله ، وبين ممارسة هذه الحقوق التي تختلف من عصر الى آخر بحسب التشريعات التي تحكم وتنظم ممارسة هذه الحقوق .
ونتيجة للتطورات العلمية والتكنولجية والمعلوماتية، التي شهدها العالم في العقود الاخيرة من القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين ظهرت حقوق من أنواع اخرى تسمى بحقوق الجيل الثالث والرابع والحقوق الرقمية، مثل الحق في السلام والحق في بيئة نظيفة وملائمة والحق في التنمية وحق وحرية تداول المعلومات والتكنولوجيا المتطورة والحق في الوصول والحصول على المعلومات.
وبدأت عدد من الدول والمنظمات الدولية تبحث وتتحدث عن حقوق الانسان في العصر الرقمي ومجتمع المعلومات، بوصفها جزءا لا يتجزأ من حقوق الانسان الاساسية، والتي لا ينبغي التغاضي عنها او اهمالها بأي شكل من الاشكال وتعمل على إيجاد وسائل عديدة لتحقيق حالة من التوازن ما بين تعزيز واحترام وحماية حقوق الإنسان من جهة، وما بين حق الحكومات في تقييد تلك الحقوق في حالات الضرورة من جهة أخرى، ونتيجة لذلك اصبح من الضروري ايجاد ضمانات مختلفة على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي تكون كفيلة لتحقيق حالة التوازن هذه ، ومن اشكال ضمانات حقوق الانسان الحديثة هي:
الضمانات الداخلية: وتتمثل في الضمانات الدستورية أو القضائية أو السياسية.
الضمانات الاقليمية والدولية : وتتمثل في بنود ميثاق الامم المتحدة والجمعية العامة للامم المتحدة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي ومجلس حقوق الانسان والاتفاقية الاوروبية لحقوق الانسان, والاتفاقية الاميركية لحقوق الانسان والميثاق الافريقي لحقوق الانسان والميثاق العربي لحقوق الانسان.
تسهم المنظمات غير الحكومية بعدة وظائف لضمان حقوق الإنسان على نحو فعال وذلك عن طريق التثقيف والتربية وتوعية الرأي العام على حماية ورقابة حقوق الإنسان، خاصة في ما يتعلق بالانتهاكات وذلك من خلال قدرتها على تشكيل قوى ضاغطة على الحكومة داخلياً وخارجياً، عبر تقديمها لتقارير الظل تكشف فيها عن مدى مصداقية وشفافية التقارير الحكومية المتعلقة بقضايا حقوق الإنسان. إذ تقوم هذه المؤسسات بتقديم تلك التقارير إلى الجهات المهتمة بحقوق الإنسان خاصة منظمات الأمم المتحدة وغيرها.
وحماية حقوق الإنسان تعد هذه الوسيلة من الوسائل التي تلجأ لها المنظمات غير الحكومية وتتمثل من خلال نشرها أسلوب التعليم والتثقيف بقواعد حقوق الإنسان وقضاياه في المجتمع، من خلال الناشطين والمتطوعين وهذا الأمر اكسب تلك المؤسسات مكانة مرموقة عالميا سواء كان ذلك «في مجال التشريعات المعنية بحقوق الإنسان أم في دعم الوسائل الخاصة بحمايتها ونشر ثقافة تلك الحقوق في مختلف المستويات». 
وإن مساهمة المنظمات غير الحكومية في الحياة السياسية الداخلية من خلال مشاركتها للإفراد والأحزاب السياسية في السلطة العامة تعد «من ركائز النظام الديمقراطي بوصفه أن هذه المنظمات جزء لا يتجزأ من المجتمع المدني، خاصة ان هذه المؤسسات تمثل حلقة الوصل الدائمة بينهم وبين السلطات العامة بما يحقق الدولة القانونية والتي تسعى كل الدول في العالم اليوم إلى بلوغها. إذن مشاركة هذه المؤسسات في العملية السياسية ما هو إلا إثبات جدارتها وقدرتها في التأثير على الرأي العام للمجتمع المدني وكيفية إدراكه لحقوقه وحرياته والدفاع عنها، وذلك عبر التصويت في الانتخابات الحكومية واختياره لأسلوب الحياة اليومية، التي ينشدها داخل إطار دولته القانونية ليصل إلى مبتغاه الأخير وهو التمتع بكل حقوقه الإنسانية المختلفة بدلا من رفضه لقوانين الدولة، وعدم طاعتها ومن ثم الإخلال بالنظام العام للدولة، والذي سيهدد استقرارها ومن خلال كل ذلك، فان هذه المؤسسات غير الحكومية أوصلت رسالة واضحة مفادها بأنها لا تقف ضد الحكومة عندما تحمي حقوق الإنسان وتدافع عنها بقدر ما إنها تقف كمساند وداعم لها، لأن مهمة ومسؤولية حماية حقوق الإنسان تقع أولا وأخيراً على عاتق الدولة نفسها، وما دور هذه المؤسسات سوى منبه وراصد لأي انتهاك قد يحصل على حقوق الإنسان من سلطات الدولة أو مؤسساتها الأخرى التابعة لها، ونتيجة لذلك أصبحت هذه المؤسسات الآن تتمتع باعتراف واحترام مهم وكبير لدورها من اغلب حكوماتها الوطنية، وذلك تأكيدا أو تقديرا لجهودها التي تقوم بها على الرغم ما تلاقيه من صعوبات عدة ضمن إطار ممارسة عملها، ومع ذلك يمكن القول إن هذه المؤسسات لا يمكنها تحقيق أي نجاح يذكر على الصعيد الوطني، ما لم يتم توفير مسألتين مهمتين لهما، الأولى تتمثل بحماية القانون الوطني لها وعدم التدخل في شؤونها والثانية تيتمثل بتمتعها بالحريات التي وردت ضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
 واكتسبت المنظمات غير الحكومية الفاعلية في ضمان حقوق الانسان بسبب امتلاكها الحرية في نشر انتهاكات حقوق الإنسان عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي والشراكات والتشبيك المحلي والدولي، وامتلاكها لمصادر استقصاء غير محددة والتي لا تقتصر على المصادر غير رسمية وحسب وإنما قد تشمل في كثير من الأحيان مصادر رسمية حكومية, وممارسة نشاطها بشكل علني وهذا منحها الدعم من الرأي العام الوطني والعالمي، ليقف إلى جانبها في دفاعها عن قضايا حقوق الإنسان.
 
باحث في شؤون المجتمع المدني العراقي