المشاركة في الانتخابات.. ما لها وما عليها

آراء 2021/09/07
...

   مهند الهلالي
مع اقتراب موعد الانتخابات المبكرة تتزايد فرص اجرائها في اجواء ايجابية ترتفع خلالها نسبة النموذجية، مع ايماننا بأن المثالية لا يمكن تحقيقها لا في بلادنا ولا في البلدان التي سبقتنا بهذا المجال الديموقراطي بعقود مضت او حتى قرون من الزمان 
إن المهم في هذا الموضوع هو الارتقاء بالحدث الابرز الذي سيشهده العراق الا وهو الانتخابات والعمل على انجاح هذه التجربة التي تعد رغم بعض الثغرات التي تعترضها من التجارب النموذجية في المنطقة العربية او الشرق اوسطية، ولربما ان معظم ما يعانيه البلد من مشاكل مع المحيط ذات صلة مباشرة او غير مباشرة بهذه التجربة وريادتها، وان الخوض في هذا ليس من اولويات موضوعنا الحالي لتشعب هذه القضية واحتواءها على تفاصيل لا يمكن تجزئتها بأي شكل من الاشكال.
هنا قد يتساءل القارئ الكريم كيف يمكن تحقيق هذا الارتقاء من قبل مواطن عادي لا يملك قدرة التأثير في القرارات 
الكبيرة؟. 
اجابتنا ستكون واضحة جدا ووافية الا وهي ان المواطن العادي، هو العنصر الاساسي في انجاح او افشال هذه التجربة حسب رأينا لان الحدث سيكون ايجابيا او سلبيا اعتمادا على نسبة مشاركة او تفاعل الجمهور معه، وبالتالي فأن الشعب هو سيد الموقف لا القوى السياسية التي تحكمه او تستولي على مفاصل القرار السيادي في الدولة ودليلنا في ذلك هو تقرب تلك القوى من المواطن الفقير، خلال المرحلة الزمنية التي تسبق الانتخابات بقليل، وتزلف السياسيين لهؤلاء الفقراء وتملقهم احيانا، لكسب رضا هؤلاء الناس بل احيانا يصل هذا التقرب الى ابعد من ذلك، ولعل محاولة شراء ذمم المواطنين من خلال توزيع الهدايا والمبالغ المالية في المؤتمرات الانتخابية التي تنظمها بعض الاحزاب او القوى السياسية خير دليل ما نود الاشارة اليه.
ما تقدم يشير بوضوح وبأدلة دامغة على أن المواطن يمتلك زمام المبادرة وتوجيه البوصلة السياسية المقبلة في البلاد، سواء كانت تلك البوصلة تتجه نحو تثبيت الوضع الحالي او اجراء تغيير ما نسبي كان ام كليا، والمعنى في كل ذلك هو واحد الا وهو ان صوت الناخب سيكون الفيصل في تحديد خيارات البلاد على المستويين الداخلي والخارجي خلال المرحلة المقبلة.
وبناء على ما اشرنا اليه، فالمواطن مطالب الان باتخاذ قرار حاسم قد يكون الاهم في حياته ولا نبالغ ان قلنا الاهم لاننا نؤمن بأن لا اهمية تسبق شكل حياة الانسان وطبيعة ما يتعرض له في دنياه، سواء في ما يتعلق بشكل المجتمع الذي يحتويه او مستوى الخدمات التي تهيأ له ومستوى العدالة الاجتماعية المتحققة عن طريق الحاكم او منظومة الحكم وغيرها من مسببات تحقيق حياة مستقرة وتوفر خط بيان ايجابي لها.
ان المشاركة الايجابية للمواطن في الانتخابات تتجلى في اختيار الاصلح من المرشحين، الذين يستحقون حمل امانة التصحيح والسير بعجلة التقدم نحو الاهداف المطلوبة شعبيا ووطنيا، وان الاصلح لا بد ان يكون خاضعا لمعطيات غير تلك الترويجية التي يتحدث بها المرشحون، وان تلك المعطيات تتمثل في الشخصيات ذات المواصفات الاخلاقية والمهنية والاكاديمية بما يصب في خدمة الاختصاص المحدد المراد استثماره لاحقا في مجلس النواب عبر اللجان الفنية المختصة، التي تمارس دورا رقابيا على أحدى أركان الحكومة ولتمتع تلك الشخصيات المفترضة بمواصفات اخلاقية محددة مدعومة بمبادئ سامية ذات ابعاد وطنية، فأن اختراق تلك الشخصيات من قبل مافيات الفساد التي تمد اذرعها في مفاصل ومؤسسات الدولة سيكون صعبا في هذه الحالة، وبالتالي فأن الحكومة التي ستولد من رحم المجلس الجديد ستكون حكومة اكثر ايجابية من سابقاتها وعندها سيكون البلد قد خطا الخطوة الاولى ضمن الاتجاه الصحيح والمطلوب منه منذ سنوات.
لا نستطيع ان نتحدث بتفاصيل اكثر في هذا الموضوع، الذي لو خضنا به لأسترسلنا فصولا وربما بحوث، لايضاح بعض منها غير ان ما قلناه يعد اساسا لما نصبو اليه من واقع لم يدركه العراقيون حتى هذه اللحظة، واننا وبصفتنا حاملين لامانة نرى ان من واجبنا ايصال هذه الكلمات لجمهورنا من القراء، علهم ينقلون او يوضحون ما يستطيعون الى اهلهم وذويهم واصحابهم، وبالتالي فأن نشر الوعي الانتخابي واهمية كل منا في تحديد مستقبل بلاده وانتشاله من هذا الواقع المتراجع الى واقع اكثر ايجابية، عبر صناديق الاقتراع ما هو الا واجب شرعي وانساني واخلاقي، بل ان التنصل عن هذه المسؤولية عبر الاتكال على المجهول في تحديد مصير الذات ما هو الا قمة في التخاذل بحق النفس والاسرة والمحيط، وصولا الى المجتمع الوطني الجامع، اذا ما اخذنا بالاعتبار ان الوعي الثقافي بدأ ينحسر في البلاد نتيجة سياسة التجهيل التي نشك بأن لها جذورا ممتدة الى مافيات الفساد التي تمتد وتتوسع يوما بعد يوم، لذا فأن عزوف اي مواطن ذي عقل متنور قادر على التمييز بين الحق والباطل وبين النور والظلام ما هو الا زيادة في اسهم الفريق الاخر، الذي تمت اعادته لآلاف السنين الى الوراء، حتى بدا قريبا من عصر الجاهلية ورموزه المقدسة في ذلك الحين.