صُناع المُحتوى

آراء 2021/09/07
...

  رؤى زهير شكر
السوشال ميديا عالمٌ مترامي الأطراف يتوسعُ مابين دقيقة واخرى، ألوان وأشكال وأنواع لا أول لها ولا اخر من المحتوى المرئي بات يطرح نفسه بديلاً لمحتوى الإعلام التقليدي، تباغتكَ تلك المواقع والصفحات بـ{قصص} الأصدقاء وهي جانب من جوانب التعبير الذاتي، وقراءة مصورة لواقع معاش، أو رؤية شخصية لموقف ما، أو حالة نفسية يمر بها الشخص.
 
وبما أنَّ مواقع التواصل الاجتماعي قادرة على الوصول بسهولةٍ إلى أرجاء المعمورة لإيصال رسائل مُعينة في مجالات عدة وعلى جانبين منهُ الإيجابي وآخر سلبي، يُركز أصحابُ الجانب الإيجابي على أن يكون المحتوى إنسانيا وبروح تكافلية تلامس المشاعر لأجل التفاعل وزيادة الاهتمام بالمحتوى المقدم الذي يختلف بين منشور(بوست) أو تغريدة، أو قصة مصورة، أو بث مباشر، أو مقطع فيديوي يشرح حالة مُعينة فيها خطاب موجه للعامة من الجمهور أو للخاصة منهم كأن يستهدف الشباب أو الفتيات وسيّدات المنزل، أو طلبة الجامعة فلكل فئة من هؤلاء ثمة خطاب مُعين يحرص فيه صناع المحتوى المحترفين مُخاطبتهم به، وذلك بالطبع يأتي بشكلٍ مدروس بعدَ أن كانَ يُبث بشكلٍ عفوي في البدايةِ، لكن فيما بعد تنبّهوا إلى تأثيره في المجتمع، ومع الاستغلال السياسي والديني للسوشال ميديا لم يعد أيّ شيء يأتي بمُصادفة.
صناعة المحتوى الإعلامي تُعرف بمفهومها العام أنها عملية تبادل الأفكار وإنشاء أجزاء المحتوى ذات الصلة بمتطلبات الجمهور ونشرها بأشكال مختلفة، مثل منشورات المدونات والرسوم البيانية والأوراق البيضاء والكتب الالكترونية، كما يُعرّف الإعلام أنّهُ القوة الناعمة الضاربة التي باتت اليوم واحدة من أهم قوى التأثير والآليات التي يتم من خلالها تشكيل الصورة الذهنية في عقول الجمهور ومَدِه بالحقائق والمعلومات وتوجيهه إلى سياسة تلك الجهة التي تصنعُ المادة الإعلامية عبر هذه التقنيّة.
وقد وظّف عدد من الإعلاميين العرب وصنّاع المحتوى الاعلامي - الذين توقفت برامجهم التلفزيونية – السوشال ميديا لتقديم محتوى مرئي وبثه، أي صناعةِ منصّةٍ إعلاميةِ لاستقطابِ أو التواصل مع الجمهور، بعضهم ابتكر محتوى جديدًا للحفاظ على مُتابعيه، فيما بقي الآخر مُستنسخا لما كان يقدمه على الشاشة، ولكن بإمكانات لوجستية أقل على ضوء ما تسمح به المساحة المستخدمة، الغاية منها البقاء على قيد الشهرة والنجومية، في وقت تضافر فيه وباء كورونا وتبعاته الاقتصادية وما نتج عنها من تبعات - في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والصحية- ألقت بظلالها على الثقافة والاعلام وكيفية استبدال التواصل المُباشر الى التواصل عن بُعد أو ما سمّي بالتواصل الالكتروني، لذلك دعت المرحلة الى آلية بث وتواصل غير تقليدية والاستفادة من العُزلة البشرية عن المُجتمع لُيسارع كثير من أصحاب المؤسسات الاعلامية والاعلامين إلى إيجاد منصات إعلامية وخبريّة، ومدونات شخصية في السوشال ميديا منها بالخطاب الاعلامي ذاته في وسائل الاعلام التقليدية، والآخر بمحتوى إعلامي مُغاير يعتمد به على مهارته ومعونة ومساعدة بعض أصدقائه المقربين من اختصاصه الاعلامي أو الالكتروني. 
أمّا في العراق فقد انعكس مفهوم صناعة المحتوى الإعلامي إلى جانبه السلبي، وبات ملاذا لمن لاهم لهم إلا التسلية التي لا طائل منها إلا شغلِ منصته بكل ما يمتُّ إلى السخرية الرديئة بِصِلَة، وتقديم موضوعات ساذجة مشوِّهةً للذائقة العامة، ليقدّمَ صاحب هكذا محتوى نفسه إعلاميا أو (صانع محتوى) من دون معرفةٍ بأصول الاعلام أو أيّ أداة من أدواته، حتى تحوّل من يطلقون على أنفسهم (إعلاميين وإعلاميات) إلى ظاهرة منتشرة على نطاقٍ واسع، والمطلع يلاحظ مستوى الوعي ونقص الثقافة ما لا يسمح له بصنع محتوى، أو مخاطبة أيّ جمهور كان، حتى الجمهور الذي بمستوى وعيه، الذي تحوّل إلى ضحيةٍ إذ انَّ نسبة كبيرة منه هم من الشباب الذي لم يكمل الدراسة، وباحث عن فرص عمل في ظروف اقتصادية شائكة واختلافات السياسية وتناحر بين القوى المتنفذة جعلته هذه الفوضى مُستهدفًا من قبل الجميع حتى من صُناع المحتوى الذين لا يفقهون بأصول المحتوى وكيفية صناعته.
من هنا نحن بحاجة الى بثِّ برامج توعوية للشباب والاستفادة من طاقاتهم العمرية لسد الطريق أمام هؤلاء المتصارعين على كسب (اللايكات) والتعليقات وإن كانت على شكل شتائم واستهزاء وتنمر، وكلّ من هم على شاكلتهم من قوى أخرى تعمد على تغييب الوعي المجتمعي للشباب وجعلهم أوعية فارغة تملئ بما يريدهُ لها الآخرون.