جائحة كورونا ووعي الشعوب

آراء 2021/09/07
...

  ماهر عبد جودة
 
لم يكن الجنس البشري، منذ أن أراد الله له أن يكون موجودا على الكرة الارضية، قد عاش حياة بلا تحديات، ففي كل فعالية يقوم بها وكل إنجاز يحققه، يواجه عقبات وموانع، لاجل تجاوزها فهو بحاجة إلى مؤازرة الآخر وعونه في خبرته العقلية والجسدية، ومن مجموع التحديات والحلول، وعوامل التلاقح وتبادل المعارف والعلوم في شتى الميادين، اصبح هناك رصيد أخذ ينمو ويتراكم مع الزمن. 
فقد واجه الإنسان الكوارث المختلفة، الفيضانات على سبيل المثال، فتعلم انشاء السدود وخزن المياه، وصناعة القوارب والسفن لركوبها من اجل النجاة والتنقل. 
وواجه ظروف المناخ القاسية البرودة والحرارة، وصنع لها مايلائمها من ملبس ومسكن، وقاسى الحروب والغزوات وحملات الاعداء واجتياحاتهم، فأعد معدات الحرب اللازمة من الدروع والخنادق والقلاع الحصينة. 
وعمل الشيء ذاته مع الأمراض والأوبئة المختلفة، وقد كانت من الشدة والتأثير أنها كانت تفتك بالملايين وتنهي شعوبا واقواما بكاملها، كالملاريا والطاعون والسل والجدري والكوليرا وغيرها، وكان تعامل الإنسان معها في البداية قائما على استحضار الأرواح والقوى الغيبية، ثم تحول إلى استخدام الأعشاب الطبية وبعض المواد الكيمياوية، وقد برز الصينيون في هذا المجال وتميزوا عن غيرهم من الشعوب الأخرى. 
ظل هكذا الإنسان في تعامله مع كل تلك الظواهر والأحداث، يضيف علما ومعرفة ومفهوما ويصحح اخطاء، حتى توصل إلى شتى انواع العلوم والاختصاصات وصار لكل علم فلسفته ورصيده ومرجعيته، القائمة على الاسس التجريبية والمختبرية، كعلم الوراثة والكيمياء والبيولوجيا والرياضيات والذرة والضوء واللقاحات وغيرها. 
وما نحن بصدده اليوم، إلا وهو جائحة كورونا، وماسببه من رعب وخوف لدى شعوب العالم، وعطل معظم النشاطات الاقتصادية واثر بشكل سلبي في المستوى المعاشي لمعظم البلدان، خصوصا الفقيرة منها، فإنه فايروس كأي الفيروسات الأخرى التي تسبب اضرارا صحية بالإنسان أو الحيوان، وأن العلماء يعرفونه جيدا ومنذ زمن بعيد، لكنه لم يكن يصيب الإنسان من قبل، بل كان منتشرا بين أنواع من الكائنات كالخفافيش والافاعي، لذا لم يفكر العلماء في تصنيع لقاح له اسوة بباقي الفيروسات الأخرى ألتي كانت تصيب الإنسان وتفتك به كتلك التي ذكرتها آنفا. 
حدوث طفرات في جينات هذا الفايروس جعلته ينتقل إلى الإنسان ويسبب له أضرارا صحية بليغة، خصوصا أولئك الذين يعانون من ضعف في جهازهم المناعي أو الذين يعانون من أمراض مزمنة والطاعنين في السن، بينما لم يكن له التأثير الصحي الكبير على فئات الشباب وذوي الجهاز المناعي الكفوء والحصين. 
وقد ظهرت الإصابات الأولى التي سببها هذا الفايروس في احدى مقاطعات الصين في العام 2019 ثم انتشرت الإصابات سريعا إلى كل انحاء العالم تقريبا، واوعزت الدول المتطورة وبالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، لكل الشركات المصنعة للادوية بالاستنفار التام للوصول إلى انجح السبل واقصرها لمواجهة هذا الفايروس والقضاء عليه، مثلما تم القضاء على غيره من الأمراض التي كانت شائعة وفتاكه. 
فقد اهتدى العلماء في مختلف المؤسسات والصحيه، وفي خلال أشهر قليلة إلى تصنيع لقاحات ناجحة، بالاعتماد على التجارب الكثيرة المعتمدة في هذا العلم ومنذ مئات السنين، ثم تم تجريبها وبنجاح على عينات من المتطوعين، فاعطت منظمة الصحة العالمية الضوء الأخضر لهذه المؤسسات العلمية الشهيرة والعملاقة بتصنيع تلك اللقاحات وتوزيعها.
وفكرة اللقاح هو منح الجسم مناعة ذاتية تمكنه من تصنيع اجسام مضادة لهذا الفيروس ومهاجمته حال دخوله إلى جسم الإنسان، بحيث لا يتوفر له الوقت الكافي لإكمال دورة حياته واستنساخ نفسه داخل الخلايا، وبالتالي موته خلال أيام من دون أن يكون له التأثير الصحي السلبي أو التسبب في عدوى الآخرين. 
وقد نظمت الدول المتطورة حملات تلقيح واسعة وبخطط محكمة ووفق اولويات العمر والاصابه بالأمراض المزمنة وطبيعة العمل. 
الملفت للنظر إن تلك الشعوب الأكثر وعيا واستنارة تتسابق لحجز تسلسلها وتتهافت للحصول على الجرعات اللقاحية، ولم يمض سوى عدة أشهر على بدء حملات التلقيح، وإذا بمئات الملايين من شعوب تلك البلدان قد حصلت على جرعتي اللقاح، وشهد العالم انحسارا كبيرا بعدد الإصابات، وبدأت الآمال تنتعش بعودة الحياة الطبيعية، فعادة المدن الصناعية إلى فتح ابوبها ونشطت حركة التجارة والتبادل السلعي، وعاد اقتصاد العالم للتعافي مرة اخرى.
ويعكس ذلك ثقة تلك الشعوب بالعلم وايمانها المطلق به، ولم تستمع إلى الدعايات والاكاذيب المغرضة، التي ظلت تدعو الناس إلى عدم أخذ جرع اللقاح، وتشكك بمفعوله أو أنه قاتل ويسبب العقم، وغاية هذه الأصوات هي الفوضى ومحاربة العلم والحضارة وكل إنجاز من شأنه خدمة الشعوب وديمومة رفاهيتها. 
نهيب بابناء شعبنا إن يكونوا أكثر وعيا واستنارة في مواجهة هكذا حملة شعواء ظالمة، يقودها الطابور الخامس وأولئك الذين ينتمون لزمن ما قبل 2003 وغايتهم ابقاء العراق ضعيفا ويسوده الارباك وعدم القدرة، وهم لا يدعون لعدم التوجه للمراكز الصحية لأخذ اللقاح فقط، بل يدعون إلى مقاطعة الانتخابات وافشال تجربتنا الديمقراطية وقبرها، فحذار ثم حذار إن نصغي لتلك الأصوات النشاز، وأن نضرب المثال الحسن أمام شعوب العالم بايماننا بالله والعلم وأن نتسابق إلى تطبيق الإجراءات الوقائية والصحية وأولها أخذ اللقاحات، بحيث إن أكثر من نصف شعبنا قد أخذ التحصين المناسب وقبل نهاية هذه السنة إنشاء الله. 
فوعي الشعوب هو خير سلاح في مواجهة الكوارث وتحديات الأعداء.