هل حان الوقت لاقرار وتطبيق قانون خدمة العلم؟

آراء 2021/09/07
...

  عبد الحليم الرهيمي
قرار مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة في 31 آب المنصرم، إحالة مشروع قانون (التجنيد الالزامي) او (خدمة العلم) على البرلمان لمناقشته واقراره يعد خطوة كبيرة الاهمية وتنطوي على دلالات وطنية وسياسية واجتماعية ومعنوية في آن واحد، ذلك ان مشروع القانون هذا يستند الى مبدأ (الخدمة الالزامية) في الجيش منذ تأسيسه الاول في السادس من كانون الاول عام 1921 وتعثر تطبيقه حتى تشريعه كقانون في البرلمان عام 1935 وبقي نافذاً وتطبيقه بمختلف الاشكال حتى تقرر الغاؤه مع الغاء الجيش وسائر الاجهزة الامنية في 16 أيار عام 2003 بقرار من الحاكم المدني الاميركي بول بريمر، حيث أصبح الانتماء او الالتحاق بالجيش يتم بشكل عشوائي دون ضوابط محددة، الامر الذي كان يثير انتقادات غير قليلة لذلك من جهات سياسية عديدة.
 
وخلال هذه المدة وحتى ما بعد احتلال داعش لأراض عراقية في العاشر من حزيران عام 2014 أعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع في 14 آذار عام 2016 قرار مجلس الدفاع بالوزارة موافقته بالاجماع على قانون التجنيد الالزامي واحالته على مجلس شورى الدولة، كي يناقشه وابداء الرأي حوله، ثم احالته على الحكومة لترسله بدورها الى البرلمان لمناقشته واقراره.
لقد أقرت وزارة الدفاع هذا القانون استناداً الى المادة (9: ثانياً) من دستور العام 2005 واوضحت اسباب اتخاذه وابدت شورى الدولة رأيها الايجابي بالقانون، ثم احالته على البرلمان والى الحكومة. وخلال دورتي البرلمان السابقة والحالية طرح للنقاش تمهيداً لإقراره لكنه اعيد الى الحكومة (لإجراء تعديل على بعض الفقرات اللغوية والمصطلحات الاخرى) حسب احد البرلمانيين وقد ركنته حكومتا العبادي وعبد المهدي في ادراج مكاتبهما لاسباب ومبررات غير معلنة، حتى اقدمت حكومة الكاظمي الحالية على اخراجه من الادراج وعرضه على مجلس الوزراء، الذي اقره واحاله أخيراً على البرلمان، الذي لا يتوقع كثيرون اقراره بهذه الدورة وترحيله للدورة المقبلة، لانشغال البرلمان بالدعاية الانتخابية بدلاً من عملهم الاساس وهو المراقبة والتشريع. 
لم يحظ مشروع القانون هذا منذ ان قدمته وزارة الدفاع عام 2016 برضا وقبول جميع الكتل والجماعات السياسية وحتى بعض اوساط الرأي العام، كل لأسبابه لكن الاسباب الحقيقية والاهم ولكن، غير المعلنة هي أسباب سياسية داخلية واقليمية أو قناعات خاصة منها، ان تطبيق القانون يؤدي الى (عسكرة المجتمع) او هدر للمال العام، وتبديد لطاقات الشباب واشغالهم بمواقع غير منتجة، اضافة لانعدام امكانية استيعابهم بالمعسكرات والى غير ذلك من الاسباب والمبررات.
نجد أن المؤيدين لتشريع هذا القانون وتطبيقه، وهم الاكثرية من الرأي العام ومن المؤسسة العسكرية، لا سيما الجيش وقطاع واسع من المثقفين والاعلاميين يرون خلاف ذلك، فاذا كان المؤيدون لتشريع القانون يعتقدون بامكانية حل وتجاوز القضايا الفنية التي تعيق تطبيقه، فأن القول بأن تطبيق القانون يؤدي الى (عسكرة) المجتمع هي حجة او رؤية متهافتة، ذلك ان عسكرة اي مجتمع تتجلى بنظامه السياسي كما هو الحال في النظام الدكتاتوري السابق، الذي لا يمكن مقارنته وتشبيهه بالنظام الحالي مهما كانت المآخذ عليه.
اما الاسباب والمبررات التي يعتقد بها المؤيدون لتشريع هذا القانون وتطبيقه فأن ابرزها واهمها يتجلى في: 
- تعزيزه للحمة الوطنية بين الشباب العراقي عبر تعايشهم من مختلف المحافظات والمناطق ومن مختلف الانتماءات الدينية والمذهبية والعرقية، التي لا يجمعها التدريب والخدمة العسكرية فقط وانما ايضاً العيش والسكن في المهاجع واوقات الطعام والراحة والحوار في اوقات الفراغ، حيث يتعرف كل منهم على الآخر.
- تعزيز وترسيخ الهوية الوطنية، ورغم اعتزاز المواطن العراقي، خاصة الشاب بوطنه وهويته، غير ان قيامه بأداء خدمة وطنية عملية تشعره بقيمة وحق الانتماء للوطن وللهوية الوطنية العراقية الجامعة.
- امكانية استفادة المنتسب من التدريب على مهنة معينة في ما لو استعيد العمل بهذا التوجه من جديد.
- اكتساب الشاب بهذه الخدمة المزيد من القوة والشجاعة والصحة والتعود على مواجهة الصعاب التي ستواجهه بحياته. وفي ضوء ذلك يمكن القول، كما يرى كثيرون، لقد حان الوقت حقاً لتسريع تشريع هذا القانون في هذه الدورة للبرلمان وليس المقبلة، مع اقتراح ان يستبدل عنوان القانون من (الخدمة الالزامية) الى قانون (الخدمة الوطنية) الاكثر تعبيراً عن اللحمة والهوية الوطنية العراقية.