تلميحات ديمقراطية

آراء 2021/09/07
...

  د. كريم شغيدل
 
مثل كل انتخابات تتفتح قرائح المتكهنين والمؤولين، وتحتدم المطارحات بشأن المشاركة من عدمها، وهل الانتخابات حق أم واجب؟ وهل يحق للحكومات معاقبة العازفين عن المشاركة؟ أتكون المشاركة معياراً للوطنية والانتماء؟ وبناء على ذلك يكون العكس بالعكس؟ وأسئلة كثيرة متشعبة، متناقضة، وهنا لا نحاول التشكيك بأحد، فلكل رأيه وحريته واختياره، فعلى الرغم من وجود بعض الإجراءات عند بعض الدول المتقدمة ديمقراطياً بحق الذين يمتنعون عن المشاركة في الاقتراع، كالحرمان من بعض الامتيازات، إلا أن المشاركة في الانتخابات عموماً تبقى حقاً وليس واجباً.
الفرق بين الواجب والحق معروف، إذ من حق السلطات أن تعاقب من يمتنع عن أداء الواجب، بعد أن وفرت له حقوقه الإنسانية كافة، أما بالنسبة للحق فالمواطن مخير في ممارسة هذا الحق أو العزوف عنه، وأقول كما قال أحد المدونين النشطاء على الفيسبوك: المشارك والرافض كلاهما وطني بحسب فهمه وتقديره، كلاهما يقرأ الأمر من وجهة نظره، وهذه هي الديمقراطية.
أنا أحترم خيارك في المشاركة إذا كنت مقتنعاً بأن المشاركة ستغير من حال البلد، وعليك أن تحترم خياري في الرفض لقناعتي بلا جدوى عودة الوجوه والكتل والأحزاب ذاتها، المشاركة حقك، وأنت حر في أن تنال هذا الحق أو تزهد به، فعدم المشاركة لا يلغي مشروعية الانتخابات، إلا إذا انعدمت المشاركة كلياً، وهذا مستحيل، فغالبية التجارب الانتخابية في معظم الدول التي تمتلك تاريخاً وإرثاً في الديمقراطية لا تبلغ نسبة المشاركة فيها أكثر من 60 % إلا ما ندر.
وبموضوعية نقول إن المشاركة من أجل التغيير تعد عاملاً إيجابياً لإرضاء الضمير- على أقل تقدير- لأننا لا نمتلك آلية أخرى لاختيار ممثلي الشعب سوى صناديق الاقتراع، ففي الديمقراطية خسائر كثيرة، لكن ترسيخ الديمقراطية على علاتها أفضل بكثير من تبعات الأنظمة الشمولية الدكتاتورية التي ترسخ الاستبداد والواحدية، ففي ظل النظام الاستبدادي المباد كان المواطن مجبراً لا على المشاركة فحسب، بل مرغم على اختيار القائد الأوحد، أما اليوم فلا أحد يتحكم باختيارك، وإن كانت ثمة تلميحات تتوعد الموظفين الذين سيمتنعون عن المشاركة، هذا على فرض أننا سنخوض انتخابات حرة ونزيهة وغير قابلة للتزوير.