موسم الحـج الكربـلائي

آراء 2021/09/11
...

 محمـد بـاني أل فالـح
 
كانـت ولا تـزال كربلاء رايـة الثوار وكعبـة الأحرار وقبلـة للشيعـة والبشريـة في جميع أصقاع الارض، تهفو لهـا النفوس في أكبر تجمع بشري عرفـه التـأريخ، حيث زحف الملايين سيـراً على الأقـدام من كل حدب وصوب في موسم الحج الاكبر نحو مرقـد الامام الحسيـن عليـه السلام في مشهد كربـلائي يعجز عن وصفـه جميع الروائييـن والكتـاب، لما يتصف به من قدسيـة فريـدة وشعيـرة ملهمة وعطاء مبـارك لمن طـاف وسار وخـدم في مواكب العزاء، التي تتـراصف على طول الطرق المؤديـة الى باديـة الطف ومزار أبي الأحرار، وحيث على كل ضامر يأتيـه من كل فـج عميـق وتـرى الرايـات تخفق في كل جانـب تحملهـا أكتـاف السائريـن وهي برغم تعـدد ألوانهـا وما تحمل من عبـارات لا مقصد لهـا سوى الإشهار بيـوم عاشوراء وإعلان الحـداد على مقتـل سبـط الرسالـة المحمديـة، بالـرغم من مرور أكثـر من ألف وأربعمئـة عـام لم تـخمد فيها جذوة وحرارة المصاب في قلوب شيعـة أبيـه علي بـن أبي طالب عليـه السلام .
تعـد كربلاء مقصد الطالبيـن وغاية العارفين ومنيـة الراغبين الى الله سبحانـه وتعالى من خلال أداء منـاسك الزيـارة، وبالخصوص زيـارة الأربعين التي تعد من أعظم الشعائـر الحسينيـة ويحرص أداءها الشيعـة على اختـلاف مشاربهم وتعـدد مناطقهم، يشاركهم بـذلك ممثلو بعض الطوائف والديانـات من أهل الكتـاب، حيث تقدر الإحصائيـات بأن عددهم في العالم يفوق المليـار نسمة ينتشرون في 70 دولة ويقصد بعضهم كربـلاء زحفاً على شكل جماعـات، قاطعين مسافة تقـدر بأكثر من ألف كيلو متر من بعض مدن جمهوريـة إيـران الاسلاميـة، التي يقطنهـا أكثر من 85 مليون شيعي، حيث يحج الشيعـة في تلك الأيـام قاصديـن مدينة كربـلاء التي تعج طرقاتهـا بملايين الزائريـن، الذين يصلون من خلال مطـاري مدينـة النجف والعاصمة بغداد بزخم غير مسبوق من الرحلات الجويـة، ما شجع القائمين على الإدارة المحليـة في كربـلاء في الدعوة الى أنشاء مطار كربلاء وتحسين شبكة المواصلات وتحديـث السكك الحديـد، وكذلك يصل الكثير منهم عبر المنافـذ البريـة المنتشرة على طول الحـدود المشتركة مع دول الجوار ومنها تركيـا، التي يقدر عدد الشيعـة فيها بأكثر من 33 مليون شيعي، منتشرين على امتـداد المدن الجنوبية الشرقيـة، ناهيك عن الأعـداد المليونيـة التي تنطلق من جميع مدن العراق صوب كربلاء على شكل زرافات بشريـة تقطع خلالها مئـات الكيلومترات، حيث يقدر عدد شيعـة العراق بـأكثر من 28 مليونـاً ومعها آلاف المواكب التي تتـراصف على طول الطريق الذي تسلكـه مشايـة الأربعيـن، وهنـاك تـلمس جميع الخدمـات التي تلبي حاجـة الزائريـن من طعام وشراب وأماكن استراحة وصيحات أصحاب المواكب، الذين ينـادون على المشاية بنـداء زوار «أبو علي» كنايـة الى الأمام الحسيـن {ع}.
وتـشهد مدينة كربـلاء والنجف الأشرف توسعا كبيرا في أضرحة المراقـد المقدسة وما تقوم به العتبـة الحسينيـة من أعمال لتجديـد وأعمار لمقام السيـدة زينب {ع}، وكذلك بنـاء مقام أخيها الحسن المجتبى الى جوار مرقـد الامام الحسيـن عليه السلام، إضافة الى قيـام العتبـة العلوية بتشييـد مقام السيـدة فاطمة الزهراء المجاور لضريـح الامام علي عليـه السلام، حيث يتوقع بعض الخبراء زيـادة عـدد زوار العتبـات المقدسة في زيـارة الأربعيـن لوحدهـا الى أكثر من 40 مليـون زائـر سنويـاً، ما يؤكـد أهمية الشعائـر الحسينيـة في الحفاظ على طقوس زيـارة عاشوراء وزيـارة الاربعين، التي تنهض بها الشيعـة في موسم الحج الكربـلائي .