السيادة العراقيَّة

آراء 2021/09/11
...

 زهير كاظم عبود 
يتم بناء العلاقات بين الدول على أساس المصالح المشتركة والتعامل بالمثل، وفقا لهذا الإطار يتم رسم السياسة العراقية، والتزام العراق بجميع اتفاقياته وتعهداته الموافقة للقانون، هذا الالتزام يمكن أن ينتقل من الحكومات السابقة لحين الغائه او تعديله من أحد الأطراف الموقعة عليه.الجارة تركيا تعاني من مشكلة غاية في الصعوبة لم تجد لها الحلول المقبولة دوليا، ولا تمكنت من إيجاد حلول تحقن بها دماء أبنائها، وهي مشكلة حزب العمال الكردستاني والتي تشن عليه قواتها المسلحة حربا شعواء من دون ان تتمكن من القضاء عليه او تحجيم دوره التركي او الإقليمي او الدولي
لجأت الجارة التركية الى عقد اتفاقية امنية مع حكومة صدام في العام 1994 يسمح بموجبها للقوات التركية، تنفيذ ضربات جوية ضد تحصينات ومقرات حزب العمال والتوغل على الأرض العراقية الى عمق 25 كيلو مترا لملاحقة عناصر الحزب المذكور، ومع ان اغلب العراقيين بالرغم من المطالبات المتكررة لتوضيح صحة عقد مثل هذه الاتفاقية، الا أن الصمت وتجاوز الإجابة وعدم وضوح الصورة تدفع بالناس للتخمينات.
بعد نهاية حقبة صدام في العام 2003 بقي الحال على ما كان عليه، قصف متكرر يطول القرى والبيوت العراقية، وتجاوز على حياة واموال سكان القرى المحاددة لشريط الحدود مع تركيا، من دون اعتراض من حكوماتنا الحريصة على السيادة.
يقول بعض إن الاتفاقية المذكورة تم تمديدها في العام 2007، غير ان الثابت ان هناك قاعدة عسكرية تركية منذ العام 1997 في منطقة {بامرني} بمحافظة دهوك، وأخرى في منطقة {كاني ماسي} وثالثة في منطقة {غيريلوك} شمال مدينة العمادية، خلال الفترة المذكورة كانت القوات التركية ترتكب عمليات القتل لمواطنين عراقيين كرد بقصد او من دون قصد، لم تواجه موقفا سياديا يطالب بحقوق العراقيين فتمر تلك الأفعال مرور الكرام. 
وتصرح تركيا بين فترة وأخرى ان قواتها ستبقى في المنطقة باعتبارها تلاحق عناصر حزب العمال في مناطق الحدود المتاخمة لتركيا في جبل قنديل وما حوله. وقد يبدو ان التبرير مقبول مع صحة وجود مثل هذه الاتفاقيات المخلة بالسيادة والتي لا يبررها لا الدستور العراقي ولا القانون الدولي.
بنتيجة التصادم العسكري بين القوات التركية وعناصر حزب العمال تقع خسائر فادحة في الأرواح والأموال لمواطنين مدنيين فوق الأرض العراقية، والغريب في الامر لا أحد من القيادات ولا السياسيين يتحدث عن مثل هذا التواجد، مع ان هناك من يطالب برحيل جميع القوات الاميركية عن الأرض العراقية، وهناك من يطالب برحيل التواجد الإيراني من الأرض العراقية، غير ان المطالبة برحيل القوات التركية تغيب عن
 الجميع.
ووفقا لظروف المواجهات المستمرة بين عناصر قوات حزب العمال وبين تركيا فإنها توسع من عملياتها لاستهداف قواعد وعناصر الحزب، حيث يتم اللجوء الى الجبال تحصينا وحماية لهم، وجبل قنديل من الجبال العراقية المشرفة على الحدود الإيرانية والتركية وهو جزء من سلسلة جبال زاكروس ويتخذ منه حزب العمال ملاذا، لتواجد اعداد من مقاتليه لما يوفره من تحصين وحماية لهم. 
 إضافة الى قصف الطائرات التركية فان المنطقة يصلها القصف المدفعي أيضا، كما تقوم وحدات الصاعقة التركية بإنزال جوي لتمشيط المنطقة بين فترة واخرى. 
وتوسعت تركيا لتبني لها قاعدة عسكرية في منطقة {بعشيقة} شمال شرق مدينة الموصل {32 كيلومترا} {معسكر الدوبردان}، وهذه المنطقة تبعد مئات الكيلومترات عن خط الحدود، والحكومة التركية مصرة على تواجد مقاتليها في هذه القاعدة، التي تم تأسيسها في العام 2015 بزعم تدريب المقاتلين الكرد {البيشمركة}، تقول تركيا ان هذه القاعدة تمت بموافقة رئيس الوزراء العبادي في العام 2014 في اطار التعاون مع التحالف الدولي، وبالرغم من سقوط مدينة الموصل بيد العصابات الإرهابية {داعش}، الا أنها لم تتعرض للقاعدة ولا عناصر القاعدة للعصابات الإرهابية. 
الاتفاقية العراقية التركية إن صحت وتم تمديدها فهي تحدد المسافة على الأرض العراقية بـ 25 كيلومترا اما ان يصل الامر الى بعشيقة، فالأمر الذي يدعو للغرابة والاستهجان ذلك الصمت المريب من المسؤولين العراقيين، وحتى من قوات التحالف الذي يزعم انهم موجودون بحكم اتفاقية الدفاع عن السيادة العراقية.
رغم المطالبة بكشف حقيقة الاتفاقية وتمديدها لم يتم الكشف عن ذلك، صوت برلمان إقليم كردستان بتاريخ 1252003 على اخراج القوات التركية من الأراضي العراقية في إقليم كردستان، وفي العام 2016 صوت مجلس النواب العراقي على قرار ادانة التواجد التركي فوق الأرض العراقية وعده احتلالا وتعديا على السيادة. 
ومنذ ذلك التاريخ صار عدد القواعد التركية فوق الأرض العراقية يزيد عن 20 موقعا في مختلف المناطق، وأصبحت المسافة 400 كيلو متر بدلا من 25 كيلومترا، كما زاد عدد عناصر القوات التركية مع ازدياد الاليات العسكرية المدرعة، التي استقدمت الى المنطقة، كما أصبح التواجد التركي العسكري في مناطق خالية من عناصر حزب العمال الكردستاني وليس من ساحات المواجهة. 
غياب اللغة الدبلوماسية التي ينبغي اعتمادها في توضيح هذه الإشكالية الوطنية، بالرغم من تعدد الحكومات المتعاقبة علي إدارة السلطة في العراق يشكل موقفا ضعيفا وهامشيا إزاء قضية السيادة والعلاقات وفق اطار حسن الجوار والمنافع والمصالح المتبادلة بين البلدين، كما ان غياب الرؤية والتعتيم الإعلامي يشكلان أيضا علامة استفهام حول حقيقة ما يجري فوق الأرض العراقية.
نرتبط مع تركيا بعدد من المصالح ويشكل العامل الاقتصادي أهمية كبرى لما يسجله الميزان التجاري في استيراد العراق من تركيا بمليارات الدولارات، فيشكل قرار المقاطعة الاقتصادية ومنع الاستيراد عاملا مساعدا وضاغطا على تركيا، كما ان اللجوء الى الخيار العسكري أيضا عامل ضغط اخر لما تعانيه تركيا من انهيار اقتصادي وبروز مشكلات تهدد استقرارها وامنها، إضافة لمعاناتها الداخلية، ويمكن استغلال العلاقات الدولية والمنابر القانونية للضغط على تركيا بالوسائل السلمية وفقا للقانون الدولي ان تسحب قواتها وتلتزم باحترام السيادة العراقية وحسن الجوار، كما ان اعتبار التواجد التركي احتلالا يشكل أيضا موقفا وطنيا يلزم قواتنا العراقية والأجهزة الأمنية وقوات الحشد الشعبي وقوات البيشمركة بالوقوف، لصيانة السيادة العراقية مع استغلال العامل الدولي والاتفاقيات، التي عقدها العراق لمساعدته وحمايته في الوقت الحاضر على الأقل. 
المواقف السياسية التي تتبناها القوى السياسية العراقية خجولة في التعامل مع ملف التواجد التركي فوق الأرض العراقية، يظهر ذلك جليا حتى في مواقف استقبال المسؤولين الاتراك، نجد أن من مصلحة تركيا ان تركن لمساندة ومساعدة العراق في هذا الظرف، بدلا من استغلاله لفرض تواجد قوات لها بهدف إرساء قدم ضمن عملية اللعبة السياسية في المنطقة، وفي غير مصلحتها الوطنية، وعلى قوات عناصر حزب العمال الكردستاني أيضا ان تدرك محنة العراق وظروفه العسيرة، وألا يتم احراج العراق واتخاذ أراضيه أماكن تواجد او ساحة للتصادم مع القوات
 التركية.