مملكة «اشنونا}

ثقافة 2021/09/17
...

 وليد خالد الزيدي 
 
حينما نريد ان نتفاخر امام الأمم ونتميز عن المجتمعات ونتفاضل بين شعوب الارض، فإننا نذكر ما تحتوي أرضنا على كنوز ونفائس وارث تاريخي مجيد وآثار شاخصة تظهر صور الحياة الأولى، ومشاهد بدايات الحضارة، وطلائع النماء البشري ونشأة التطور. هكذا يشار إلى الحضارات العراقية بداية حياة الإنسان، فقد حظي تاريخ العراق بتجارب انشغل بها المؤرخون شرقيون ومستشرقون، تجلى فيها إبداع الإنسان وقدرته على التكامل وتحقيق التقدم في صور اعتبرت قمة في النضج، ومثالا في الرقي ليصبح أمام دور رسالي يتعزز في البناء القيمي لحضارة الإنسان، هذا ما اقتضى لينا استيعاب كل مشاهد هذا التطور وصوره لمعرفة السياق التاريخي والوعي بدور العراق في مسار الحضارة الإنسانية، وبالتأكيد هذا ما يقودنا إلى استشراف شواخص حضارتنا لندرك كيف نبني شخصية متينة، عصية رصينة، جديرة بالفكر والتصرف وتحديد مسارات أخرى لحاضرنا، ومستقبل أجيالنا.
فآثارنا تحف تعج بها متاحف العالم، وتزين ثرى الوطن بشواخص لحضارات عريقة، ومنها ما يعود نشوئها إلى الألف الثاني قبل الميلاد، وهي ما تعرف بـ {دور مسيلم} وهو ملك {كيش} الأم القديمة لمدينة بابل الشهيرة، يدل اسمه على انه سامي الأصل وهو ما ذهب إليه علماء الآثار والتاريخ على انه عصر انتقالي من السومريين إلى الساميين، واشرنا الى ذلك في بحوث سابقة، حيث انجرفت مجموعة من سكان شمال العراق إبان فجر الحضارة إلى مناطق جنوب السهل الرسوبي، وجدوا فيها ظروفا مناسبة للعيش وتوافر مصادر الغذاء كالأسماك والطيور في الأنهار، غير أن الباحث الدكتور (موتكارت) أفادنا برأي يقود إلى أهمية الخوض في هذه المسألة، حيث قال إن مركز ثقل الحضارة تحول من أقصى الجنوب شمال الخليج إلى منطقة تعلوه قليلا شمالا وهي منطقة بغداد الحالية، وهكذا بدأت تلك الأقوام بالاستيطان شرقي نهر دجلة وسط العراق وغرب نهر ديالى ونشاهد ما تركوه من مدن آثارها شاخصة حتى الآن، مثل مملكة اشنونا التي تقع في تل دعي بأكثر من اسم منه تل اسمر وتل حرمل (تل محمد) حاليا في بغداد الجديدة تحت جسر محمد القاسم المؤدي إلى منطقة الدورة.
فلا تزال آثارها شاخصة، حيث قامت بعثة تابعة لجامعة شيكاغو الأميركية (المعهد الشرقي) للفترة (1930ـ  1937) بتنقيبات وافية في التلال العائدة لدور مسيلم أهمها (تل اسمر، تل خفاجي، تل اشجالي، تل أجرب، وتل عقرب) ودلت على عودة هذه المواقع إلى مملكة اشنونا، التي شمل حكمها من سفوح جبال زاكروس شرقا وبين نهر دجلة غربا ومناطق الضفة الغربية لنهر ديالى قرب مصبه الحالي في مجرى دجلة، وسميت نسبة إلى عاصمتها المسماة (اشنونا) فكشفت عن نتائج مهمة دلت على عصر فجر السلالات، لا سيما العصر البابلي القديم بحدود(1900ـ  1850) ق.م، كما ظهر من تحريات مديرية الآثار مراكز مهمة تمتد إلى الضواحي الشرقية لمدينة بغداد مثل (تل حرمل) وأظهرت بتنقيبات فترة (1945ـ 1962) نتائج اخرى عن العصر البابلي القديم وتبين أن اسم الموضع القديم “شاديم” تابع إلى “اشنونا”، ووجدت في تل حرمل ما بين (4000ـ 5000) لوح طيني خاص بالرياضيات ونسخة من شريعة المملكة التي تتميز بموقعها الجغرافي بالنسبة لبلاد وادي الرافدين ومجاورتها لبلاد عيلام شرقا وآشور شمالا وأكد وسط العراق، ما جعلها ذات أهمية خاصة في تاريخنا القديم، وتأثيرها الحضاري والفكري والاقتصادي في شمال وشرق البلاد، لذا ندعو القائمين على آثار بغداد تحديد الموقع الأثري المذكور وتوضيح أهميته التاريخية لكل الجهات، بغية المحافظة عليه من التدمير والعبث بطبقاته لكي لا يفقد قيمته الآثارية وخصائصه الحضارية للعراق والعالم.