«أوكوس» ماذا تريد باريس بديلا عنها؟

قضايا عربية ودولية 2021/09/26
...

محمد صالح صدقيان 
نتابع باهتمام ما ستؤول اليه الأزمة الحاصلة بين باريس وواشنطن، علی خلفية معاهدة " أوكوس" الأمنية بين الولايات المتحدة وبريطانيا واستراليا، ومردّ هذا الاهتمام يقينا أن هذه الازمة ليست طبيعية وانها من العيار الثقيل. 
أحد الدبلوماسيين الكبار في طهران، قال لنا: إن "التطورات التي تحدث حاليا طبيعية ومتوقعة، والاوربيون يعرفون ذلك جيدا، هم يعرفون أن مركبهم لا يسير في مياه هادئة، ويعرفون ايضا ان حلف شمال الاطلسي لم يعد الاطار الذي يَقيهم من التهديدات المحتملة؛ كما انهم يعرفون ضرورة تشكيل الجيش الاوروبي الذي يستطيع الدفاع عن مصالحهم، لكنهم ـــ يضيف الدبلوماسي ـــ لا يستطيعون الاعلان عن ذلك لأن المطرقة الاميركية ما زالت اقوی من سندانهم".
حين توجهنا بسؤال الى الدبلوماسي عن أن الفرنسيين منزعجون جدا من معاهدة "أوكوس"، ووصفوها بوصفات غير دبلوماسية، فمرة "خيانة" وأخری "طعنة في الظهر"، وثالثة "قرار وحشي"، قال: "دعكم من هذه التصريحات، إنهم يبحثون عن البديل، عن صفقة أخری تعوضهم عن صفقة الغواصات التي عقدوها مع استراليا في العام 2016 ما داموا غير راغبين بالتعاون مع الولايات المتحدة في بحر الصين؛ وغير مستعدين للوقوف في معسكر لمواجهة الصين".
طافت بنا ذاكرتنا للمفاوضات النووية التي جرت بين ايران والولايات المتحدة قبل التوصل للاتفاق النووي في تموز 2015 . الجانب الاميركي اقترح علی طهران اشراك الفرنسيين في المباحثات، وقال إن أي اتفاق ربما يفشل من دون اشراك باريس، والافضل ان يساهموا في الاتفاق ويأكلوا من خيراته لكي يُكتب له النجاح، تذكرت ايضا اجتماعا اقيم في باريس للفعاليات التجارية والاقتصادية الفرنسية مع وزير الخارجية الايراني آنذاك محمد جواد ظريف، انتقدوه لأن ايران ابرمت عقدا مع شركة بوينغ الاميركية لشراء 100 طائرة مدنية، بعد عقد مماثل ابرمته مع شركة ايرباص الاوروبية، ظريف قال لهم بوضوح ان عقد البوينغ كان عربونا لكي تنجح صفقة الايرباص. 
عرضت ما كنت افكر به علی الدبلوماسي المحنك، فقال: "هنا مربط الفرس. فرنسا تريد أن تحصل علی منافع ولا تريد أن تخرج مثل الشعرة من العجين من معاهدة (أوكوس). تريد حصة من الكعكة، والشرق الاوسط حصة مريحة لباريس، علاقاتها جيدة مع حليفتها الفرانكفونية لبنان، غير متحسسة من سوريا بشار الاسد؛ يسيل لعابها علی المساهمة في اعمار العراق؛ لم تسهم في الجيوش التي احتلت العراق عام 2003، لم تنسحب من الاتفاق النووي مع ايران، وإن كانت لم تنفذ الاتفاق النووي، لكنها لم تقطع (شعرة معاوية) مع طهران، وما زال شارع (نوفل لوشاتو) الذي استقبل السيد الخميني عام 1979 يتوسط العاصمة طهران، وما زالت شركة توتال الفرنسية تنظر بعين مفتوحة الی مشاريع الغاز والنفط الايرانية بعد سنوات المقاطعة".
وأضاف، أن "الرئيس الفرنسي ماكرون نقل لنظيره الايراني ابراهيم رئيسي رغبته في اعادة صياغة العلاقات الثنائية، وقبلها الاخير، فكانت اولی بوادرها تشكيل الحكومة اللبنانية".
كتبت الاسبوع الماضي عن "أوكوس"، وقلت يجب أن تستعد دول الشرق الاوسط لاستحقاقات سياسية مهمة، واقول الآن ان الولايات المتحدة لم تعد مهتمة بالشرق الاوسط، اللهم إلا اذا كان ذلك يهدد المصالح الحيوية الاميركية. 
نحن مستعدون -يقول الفرنسيون- ماذا يمكن أن نقول لهم؟.