البرامج الانتخابيَّة تعكس حقيقة الترشيح، مثلما تكشف عن شخصية المرشح وفاعليته، وقدرته على أن يتبنى سياسة واضحة، وأن يقوم بجهد لتمثيل ناخبيه، ولتجديد عمله في مسار العملية السياسية.
البرنامج الانتخابي جزء من استشراف النجاح في ادارة الملفات، وفي تعريف الجمهور بطبيعة الموجهات السياسية التي يمكن خلالها الاختيار، عبر مقاربة الواقع، ومعالجة مشكلاته، وعبر رؤية ابعاد مايمكن تحقيقه في المستقبل، وهذا ماينبغي أن يكون حاضرا وفاعلا، مثلما هو رهان على استعداد هذا المرشح أو ذاك للممارسة السياسية خلال الدورة الانتخابية المقبلة، وعلى أن يساعد الجمهور في التعاطي مع افكاره، ومع برنامجه الانتخابي، وجديته في المنافسة مع الاخرين، وفي اعادة الثقة بالممارسة الديمقراطية من جانب، والانتخابات ومؤسساتها من جانب آخر، لاسيما وسط اجواء تحتاج إلى جرعات انعاش كبيرة لكي يكون السياسي أكثر استعدادا للتغيير، والتحول، ولمواجهة مظاهر الفساد والتردي وضعف ادارة العديد من الملفات والمشاريع السياسية والاقتصادية والصحية والتعليمية والخدماتية.
ذاكرة الانتخابات عبر اربع دورات برلمانية تحمل كثيرا من الهواجس والمخاوف، وهذا مايتطلب وجود البيئة السياسية التي يمكنها ترميم هذا الصدع، واعادة ثقة الناس بالمرشحين، وبالتجديد، وبأن العملية السياسية ستشهد تغييرا، وأن الانتخابات المفصلية ستكون ايضا رهانا على المستقبل، وهذا مايجعل الحديث عن البرنامج الانتخابي مهما وضروريا، لكن على وفق مايحوزه من واقعية، وعقلانية، ومن خطوط عامة قابلة للتنفيذ، ومن رؤية تؤشر تفاعل هذا المرشح او ذاك مع الناخبين، لكي يحظى بثقتهم، وبرهانهم على جدية برنامجه، فضلا عن تفاعلهم معه، على مستوى توسيع المشاركة في الانتخابات، أو على مستوى ايجاد قاعدة سياسية ناهضة لمرشحين من القوى السياسية، أو من المستقلين، لكن مايجمعهم هو الصدق والمسؤولية والحرص والايمان والجدية في العمل، وفي مواجهة تحديات ومشكلات الواقع، والانطلاق إلى معالجتها، بعيدا عن الشعارات والأوهام والخداع التي سئم منها الجمهور، وحتى لاتزداد خيبته مجددا، لاسيما أنَّ مايجعل هذه الانتخابات أكثر اهمية، هو حرص المرجعية الرشيدة على أن تكون بمستوى الطموح، وأن تكون المساهمة فيها مبنية على الوضوح والمعرفة والايمان والصدق، كما أنَّ هذه الانتخابات جاءت بعد متغيرات كثيرة، منها تظاهرات تشرين والضحايا الذين سقطوا فيها وهم يطالبون بالتغيير، فضلا عن انها جاءت مع اختيار قانون جديد على وفق الدوائر المتعددة، وبمفوضية جديدة من القضاة..
الرهان يبقى مفتوحا، والخيار سيكون مسؤولية، والعمل يعكس مدى فاعلية البرامج الانتخابية التي قدمها المرشحون، ومدى التزامهم بتنفيذها، لكي يسهموا ويؤسسوا لتقاليد سياسية ديمقراطية في عراقنا الذي يستحق الاخلاص والحرص والبناء..