سد بانكياو وكتمان الكارثة

بانوراما 2019/03/02
...

جوستن هيغنبوتوم
ترجمة: بهاء سلمان
وقف العمال بمحاذاة أعلى سد بانكياو، الذي كان ارتفاعه يبلغ نحو 46 مترا فوق أرض الوادي، محاولين، بكل ما يستطيعون من جهد، اصلاح قمة السد مع تواصل هطول الأمطار الغزيرة لليوم الثالث على التوالي من دون انقطاع جراء الاعصار نينا. فبعد ضربها لتايوان، امتدت العاصفة الى البر الصيني حيث كان متوقعا تبددها، لكن الاعصار نينا اتجه شمالا بدلا من ذلك، ليصل الى حوض نهر هيواي في الخامس من شهر آب 1975، حينما أوقفت جبهة هوائية باردة تقدمه. وبسبب انحصاره في مكان محدد، نتجت عن الاعصار أمطار خلال 24 ساعة في تلك المنطقة قدرت بكمية هطول تعادل مدة أكثر من سنة.
ومع حلول ليلة الثامن من آب، إنهار ما يقارب من 65 سدا. لكن، ورغم حقيقة عبور مستويات المياه لسد بانكياو كثيرا القدرة الآمنة له، وانسداد عدد من بوابات التحكم المسيطرة على تدفق المياه بالطمى، شعرت السلطات بكل ثقة بامكانية تجنّب الكارثة. وبعد كل هذا، كان يمكن للسد المبني وفقا للتصاميم السوفيتية تحمّل اعصار يقع مرة كل ألف سنة تنتج عنه أمطار بارتفاع 30 سنتمتراً يومياً. لسوء الحظ، أثبت اعصار نينا حدوثه كل ألفي عام مرة، حاملا معه قوة كافية للتسبب بأسوأ اخفاق قاتل للبنية التحتية في العالم على الاطلاق.
"تشين شينغ"، أحد رواد علماء المياه الصينيين، كان قد تابع تشييد بانكياو سنة 1952 بقلق. 
كان الزعيم ماو تسي تونغ، المتلهف لتحديث البلاد، قد أعطى أوامره ببناء مئات السدود، الأمر الذي جعل الناس ينشغلون بالعمل، موفرا الكهرباء ومطوّعا الأنهار كجزء من حملته الوحشية "قفزة عظيمة للأمام". وبعد عبوره لنهر يانغتز سباحة، خط ماو بقلمه قصيدة حول هوسه بالسدود، جاء فيها:
المشاريع الكبرى يتم وضعها
وستشخص جدران من الحجارة ضد التيار الى الغرب ...
وآلهة الجبل ان كانت لا تزال موجودة 
هناك ستندهش لعالم أصابه الكثير من التغيير.
 
إسكات المعارضين
وبعد عقود، ومع تجاهلها تحذيرات العلماء وخبراء البيئة، أقامت الحكومة الصينية سد المضائق الثلاثة على نهر يانغتز، ومعه أكبر محطة لتوليد الطاقة الكهربائية في العالم. كان شينغ من بين الكثيرين القلقين من فرط استعجال البلاد وعدم التروي في بناء السدود؛ وحينما صمم خزّان بحيرة "سويا" سنة 1958، حيث كان حينذاك الخزّان الأكبر في قارة آسيا، تم توبيخ عالم المياه شينغ بشدة لسعيه اضافة المزيد من بوابات التحكم. وبوصمه "انتهازيا منحازا لليمين"، تم طرده في نهاية المطاف لكونه من المنتقدين العلنيين لتلك المشاريع.
وبحسب رواية صحفي صيني كتب باسم مستعار هو "يي سي" عن سد بانكياو، أنه في يوم الثامن من آب 1975، ومع شروع العمال منهمكين بالعمل على ارجاع مستويات المياه داخل الخزّان، نادى صوت وسط الظلام قائلا: "أتى تنين النهر!" وفجأة، تمزق السد، مطلقا العنان لنحو 600 مليار لتر من المياه، مدمرا قرية بأكملها. وبحلول 17 آب، كما يورد الصحفي، بقي نحو مليون ومئة ألف انسان عالقين وسط مياه الفيضان، مع سقوط ما بين خمسين الى ستين بالمئة من الطعام الملقى من الجو الى منطقة الكارثة عائما على المياه المظلمة. استلزم الأمر أسابيع لتصريف المياه، لتظهر جثث منتفخة عج بها منظر المنطقة تحت شمس أواخر الصيف.
عملت الحكومة على تجنب بث أخبار الكارثة على المستوى الوطني، ولم يكن هناك أي مراقبين دوليين حاضرين في المشهد؛ لكن عندما أطلقت وزارة الموارد المائية والطاقة الكهربائية الصينية دراسة بحلول تموز 1989، ورد فيها تسبب حادثة فجوة السد بمقتل أكثر من 85 ألف انسان على الفور. 
قبل ذلك بسنتين، وضمن دراسة أجريت على سد المضائق الثلاثة لثمانية خبراء صينيين بعلوم المياه من الذين يرجح اطلاعهم على تقارير حكومية سرية للغاية، خمّنوا العدد الاجمالي للموتى جراء الفيضان، وما تلاه من أوبئة ومجاعة، بنحو 230 ألف فرد.
 
تكتيم اعلامي
وعلى الرغم من كون الكارثة تعد الأشد فتكا من نوعها في العالم، فهي ليست من الأمور المشاع معرفتها حتى داخل الصين، فعندما انشق السد، كانت سيطرة الحزب الشيوعي الصيني على الاعلام مطلقة، كما يوضح "ديفد باندورسكي"، من جامعة مشروع إعلام الصين في هونغ كونغ: "بشكل عام، الكوارث بجميع أشكالها، سواء أكانت لأسباب تتعلق بالطبيعة بشكل أساسي أم بسبب السلوك الانساني، كان ينظر اليها القادة الصينيون بحساسية مفرطة، بمعية كراهية الحكومة للاقرار بمسؤوليتها."
في أعقاب الفاجعة، مع ذلك، بدت علامات على التغيير، ففي بلد يحوي 87 ألف خزّان مياه، شيّدت غالبيتها أثناء فترة من معايير بناء مثيرة للشكوك، اتخذت الحكومة موقفا أكثر عدائية تجاه الاشراف والمراقبة للاصلاحات المطلوبة.
في سنة 2005، وخلال ندوة جرت ببكين، وافق مسؤولون وعلماء على فتح اخفاقة سد بانكياو للنقاش العام، معلنين عدم بقاء أرقام الخسائر سرا من أسرار الدولة. 
ومع ذلك، كما يوضح باندورسكي، فحينما نشرت شركة اعلامية مقرها شانغهاي مؤخرا مقالة مطوّلة عن المضائق الثلاثة، أزيلت القصة من مواقع الانترنيت خلال ساعات.
ومن لاوس الى كولومبيا، عاد الهوس الطموح بمشاريع السدود، كما يقول "ويليام لورانس"، أستاذ علوم البيئة في جامعة جيمس كوك: "هناك انتشار هائل لبناء السدود عبر العالم بأسره، وللصين اليد الطولى في 
ذلك." 
ويقدر لورانس وجود نحو أربعة آلاف سد لتوليد الكهرباء حول العالم، إما في طور التصميم أو قيد الانشاء، بما أطلق عليه "تسونامي مشاريع السدود". لكن، ما هو الشيء المقلق للورانس وأمثاله المتعقبين لهذه المشاريع؟ إنه الاحساس الذي يشير الى بقاء الصين بشكل نسبي كارهة للاقرار بارتكابها اخفاقات 
محتملة.
مجلة أوزي الأميركية